«وسنبيّن ، في ما بعد ، أنّ إمكان الوجود يجب أن يكون في موضوع ، وهناك يتبيّن أن كلّ حادث فإنّه يسبقه مادّة والشيء الذي فيه وجود الحركة هو الذي من شأنه أن يتحرّك. فظاهر من هذا أنّه إذا كان ذلك الشيء موجودا ولا يتحرّك. فلأنّ العلّة المحركة أو الأحوال والشرائط التي لأجلها يصدر التحريك من المحرّك غير موجودة. فإذا تحرّك فلحدوث علّة محرّكة.
والكلام في حدوث العلّة كالكلام في حدوث الحركة. فإنّه إمّا أن يكون لحدوثها أسباب ذوات ترتيب بالطبع لا نهاية لها موجودة معا في آن واحد ـ وسنبيّن استحالة هذا بعد ـ أو لأسباب لا نهاية لها موجودة على التتالى حتّى يكون وجود كلّ علّة وعدمها دفعة، أو يبقى واحدة منها زمانا ؛ فإن بقى كلّ واحدة منها زمانا كانت حركة بعد حركة من غير انقطاع وكانت الحركة سرمديّة ، وإن بقى كلّ واحدة منها آنا ، لزم تتالى الآنات بلا توسّط زمان. وسنذكر استحالة هذا.
فبيّن أنّه إذا حدث في جسم أمر لم يكن ، فقد حصل لعلّة ، أو لوجود نسبة بعد عدمها إمّا بحركة توجب قربا أو بعدا أو حدوث قوّة محرّكة لم تكن أو إرادة حادثة. ولحدوث جميع هذه الأشياء أسباب تتصل لا يمكن إلّا بحركة متصلة» (ص ٤٤٤).
ثمّ قال : «فلو لا أنّ الحركة لا أوّل لها ، لما صحّ وجود الحوادث ، ولا عدم الأمور التي يصحّ عليها العدم. فإنّ العدم يكون بسبب عدم علّة الوجود ، ولا محالة يعدم الشيء بسبب يحدث ، وعلّة الحدوث ، كما عرفت ، الحركة. ولو لا أنّ في الأسباب ما يعدم بذاته لما صحّ العدم. وذلك هو الحركة التي لذاتها وحقيقتها تفوت وتلحق. ومثل هذه الأسباب ـ كما ستعرفه ـ تكون أسبابا بالعرض ، أعنى أنّها لا تفيد الوجود ، بل تفيد هذه الصفة ، أعنى الحدوث للوجود.
ولنجمل هذا الكلام فنقول : إنّ الفاعل إمّا أن يريد حدوث ما يحدث عنه بلا شرط ، فيجب ان يكون موجودا معه ؛ وإمّا أن يريد تعلّق وجوده بشرط. والكلام في ذلك الشرط كالكلام في الأوّل فتسلسل إلى غير نهاية. وهذه الشرائط إمّا أن تكون ثابتة فيجب وجود أسباب لا نهاية لها معا في آن واحد ، وهذا محال. وإمّا