وراء المفهوم من تحقّق معنى ما خارج عن قوام ذاته لذاته. أليس الثّاني إمّا فرع الأوّل أو مستلزمه ، بتّة ، فكيف يكون عينه؟ فإذن ، فاحكم أنّ الوجود المطلق العامّ الفطريّ ـ وليس معناه إلّا التحقّق والكون المصدريّ ـ إنّما مطابقة نفس الذّات المتقرّرة ، لا قيام وصف ما بالذّات قياما انضماميّا أو انتزاعيّا يقوم بالذّات أو ينتزع منها ، فيصحّح انتزاع ذلك المعنى المصدريّ عنها وحمل الموجود المشتقّ منه عليها. ومفاد قولنا : «الإنسان موجود» مثلا ، أعني المحكىّ عنه [٦٠ ب] بذلك العقد الهلىّ البسيط المشهوريّ ، هو وقوع نفس ذات الإنسان في ظرف ما ، وإن افتيق إلى لحاظ مفهوم المحمول في الحكاية ، لضرورة طباع العقد وطباع الإدراك التصديقيّ ، لا انضمام صفة ما إلى ذاته في ظرف الأعيان مثلا ، كما في قولنا «زيد أبيض» أو انتزاع معنى ما عن الذّات بحسب ذلك الظرف غير نفس المعنى المصدريّ ، كما في قولنا «السّماء فوق الأرض».
ثم الأمر في العقد الهليّ البسيط الحقيقيّ ، كما في قولنا «الإنسان متقرّر» ، أعلى درجة من ذلك أيضا ، إذ المحكىّ عنه هناك هو نفس تجوهر الماهيّة ، كالإنسان ، أى : إنه من الماهيّات المتجوهرة التحقيقيّة وفى مرتبة الوقوع في مطلب «ما الحقيقة» لا من الماهيّات المفروضة التقديريّة المستحقّة لمطلب ما الشّارحة للاسم فقط ، ولا يلتفت لفت مفهوم التّقرّر والتّجوهر والوقوع المصدريّ بوجه أصلا. وإن كان التفتيش يخرّج أنّ ذلك هو صيّور الأمر أخيرا على الإطلاق.
فإذن قد استبان أنّ نسبة الوجود إلى الماهيّة المتقرّرة على شاكلة نسبة المعانى المصدريّة المأخوذة من الماهيّات أنفسها ، إليها كالإنسانيّة والحيوانيّة والجسميّة المنتزعة من الإنسان والحيوان والجسم ، في أنّ مبدأ انتزاع المعنى المصدريّ ومطابق حمل المفهوم المحمول نفس الماهيّة من دون حيثيّة تقييديّة غير جوهرها ، وإن باينها في الماهيّات الجائزة بالافتياق إلى الحيثيّة التعليليّة في الوجود دون الذّاتيّات.
فالماهيّة الجوازيّة إذ ليست هي متجوهرة متقرّرة بنفسها ، بل إنّما من تلقاء إبداع الجاعل وإفاضته نفسها ، فلا جرم ليست هي بنفسها مبدأ انتزاع الوجود ومصداق حمل الموجود ، بل بنفس جعل [٦١ ظ] الجاعل نفسها جهلا بسيطا لا بجعل مستأنف بسيط أو مؤلّف ، لكنّها بنفسها مصداق حمل جوهريّاتها عليها ، لا