أنّه وصف لماهيّة أو عارض لحقيقة ، و [أنّ معنى قولنا إنّه] واجب التّقرّر والوجود : أنّه يجب تقرّره ووجوده بنفس حقيقته ، وحقيقته وجوده ، ووجوده وجوبه ، لا أنّه ما يجب وجوده ، أى : شيء متقرّر موضوع فيه الوجود أو الوجوب. إذ ليس يتصوّر هناك محمول وراء نفس الموضوع ، وهو الواحد الحقّ والأحد البحت» ، ورسخ في سرّك عرق استتقانه واستحصافه ، وأنت مستقيم الجبلّة ، مستوى الغريزة ، ملقّح العقل بلقاح الاصول الحكميّة ، معاير النظر بمعايير الأحلام الفحصيّة ـ
انصرح لك أنّ مصداق ذلك الحمل وهو نفس ذات الحقّ بالذّات من دون قيام شيء به أو انتزاع مفهوم عنه أو إضافته إلى شيء أصلا ، هو الّذي قصارى عقليّة العقل أن يعبّر عنه بالوجوب بالذّات والقيّوم الواجب بالذّات ، ويجعل ذلك شرح اسمه وعنوان حقيقته ، من غير أنّ له سبيل إلّا إلى مجرّد المفهوم المعبّر به ، إذ هو المتمثّل فيه [٨٢ ب] ، وذو العنان والمعبّر عنه ليس للعقول أن تناله وتصل إلى إدراكه.
فإن كنت قد تعوّدت تثقيف البصيرة النافذة في عمق العلم وسمك الحكمة ، تعرّفت وتحقّقت : أنّ صرف الوجود الواحد الحقّ ، الّذي يمتنع أن ينقسم في ذاته ويتطرّق إليه التّحليل إلى شيء من وجوه الأثنوة أو انتزاع شيء من اعتبارات الكثرة ، ليس يمكن أن يختلف بالعدد ، وكلّ ما يقدّر أنّه ثان له فهو بعينه. والتقدير باطل ، لأنّ المعبّر عنه بالوجوب بالذّات قطعىّ الاشتراك بين اللذين هما مفروضا الوجوب بتّة. فإذ ليس هناك إلّا الحقيقة البسيطة الحقّة الصرفة لم يكن يتصوّر اختلاف بالعدد أصلا.
وبالجملة ، وجوب التّقرّر والوجود بالذّات يستحيل أن يكون عارضا لماهيّة ؛ وإلّا لكان معلولا في ذاته ، فلم يتصوّر أن يكون ينبوع الوجوبات ومفيض الحقائق بأسرها. وأيضا كانت تلك الماهيّة في مرتبة نفسها عروا عن الوجوب بالذّات. ثمّ إذا هي متكسّية به أخيرا ، فكانت بحسب مرتبة ذاتها ، إمّا ممكنة بالذّات ، أو ممتنعة بالذّات ، أو فاسخة ضابط القسمة المستوفاة الحقيقيّة المستغرقة قاطبة الذّوات والمفهومات والعقود بقاطبة الاعتبارات. فإذن هو بنفسه حقيقة بالذّات ، وليس يعقل فيه وقوع الاسم بالاشتراك على مختلفين بالمعنى.
فلو فرضت هناك اثنوة ، كان التميّز والتخصّص ، لا محالة ، بأمر آخر زائد على