فإذ قد لاح لك : أنّ الأيس ، وكذلك اللّيس يكون في زمان أو في جميع الأزمنة ، بما هو مستمرّ استمرارا زمانيّا ، صالحا لأن ينحلّ في الوهم إلى أبعاض مترتّبة وتنتزع منه حدود غير متشافعة ، وفي آن بما هو منبتّ ليس يفضل شيء من فعليّته عن الدفعة اللّامنقسمة المطبقة على طرف الامتداد ، وفي حاقّ الأعيان صريحا ، لا في زمان ولا في آن ولا في جملة الأزمنة والآنات ، بما هو أيس أو ليس صراح غير مشوب بالغواشى الهيولانيّة والعوارض المادّيّة.
فالأيس العينىّ أعمّ من الوجود في الآن ومن الوجود في الزمان ، إمّا على سبيل التطابق أو لا على سبيله ، ومن الوجود الصّراح في حاقّ الأعيان لا في عالمى الزمان والمكان.
والثّابتات العقليّة ، إذ هي فوق أرض الهيولى ووراء كورة الأبعاد القارّة والامتدادات الغير القارّة المتّصلة التقضّى والتجدّد ، فهى ، لا محالة ، ليست بواقعة في ذينك العالمين ، ولا بمنفصلة عنهما انفصالا متقدّرا [١٠٣ ب] زمانيّا أو مكانيّا ؛ بل هي سواسية النّسبة إلى جملة الأزمنة والأمكنة وإلى زمر المتزمّنات والمتمكّنات نسبة غير متقدّرة على سنّة متّفقة وسبيل واحد.
فإذن ، فادر أنّ إدراك المتغيّرات بحسب حال مدركها على ضربين : زمانىّ متغيّر وعقلىّ ثابت.
«فإذا كان المدرك متعلّق الهويّة بعالمى الزمان والمكان وإنّما تصحّ الإدراكات له بآلات هيولانيّة ، كالحواسّ الجسدانيّة الظاهرة والباطنة ، فإنّه يدرك المتغيّرات الحاضرة في زمانه ، ويحكم بوجودها ، ويفوته ما وجوده في زمان غير زمانه فيحكم بعدمه ويقول : إنّه متى كان أو سيكون وليس الآن ، وكذلك يدرك المتكثّرات المكانيّة الّتي له أن يشير إليها ، فيحكم أنّها في أيّة جهة منه وعلى أيّة مسافة وأيّها دان منه وأيّها ناء عنه.
وإذا كان مرتفع الذّات عن آفاق الزمان والمكان ، فإنّه يكون تامّ الإدراك ، محيطا بالكلّ على نسبة متّفقة وسنّة غير متبدّلة ، عالما بأنّ أىّ حادث متزمّن هو موجود في أيّ زمان من الأزمنة ومتخصّص الوجود به ، وكم من المدّة بينه وبين الّذي يتقدّمه