علميّا أنّ فيه صلاحا ونفعا أو منقبة ومحمدة ، وبالجملة خيريّة ما بالقياس إلى ذاتنا أو بالقياس إلى قوّة ما من قوى ذاتنا ، فينبعث من ذلك شوق إليه. فإذا قوى الشوق وتأكّد الإجماع ، اهتزّت القوّة الشوقيّة والإرادة المتجدّدة ، أى : الإجماع [المنبعث] منها. فحرّكتا القوّة المحرّكة الّتي في العضلات ، وهنا لك تتحرّك الأعصاب والأعضاء الأدوية ، ثمّ تتحرّك الآلات الخارجة إلى تحصيله.
فالمعنى الّذي هو فينا إدراك الفعل. وإدراك وجه الخير فيه ، غير المعنى الّذي هو سبيل تحصيله ، وهو الشوق ومرتبته المتأكّدة الّتي هي الإجماع والإرادة ، إذ أفعالنا بالآلات وهي ليست تتحرّك إلّا بالشوق ، وما به رضانا بالفعل هو معرفتنا لوجه الخير العائد إلينا فيه.
فأمّا القيّوم الحقّ ، سبحانه ، فإذ جلّ جنابه عن أن يكون فعله بالآلة وعن أن يتصوّر له خيريّة غير حاصلة له في مرتبة ذاته بذاته ، فليس يعقل أن يتكمّل ويتجمّل ذاته بمعنى ما هو وراء مرتبة ذاته ، فلا محالة ، لم يكن له شوق إلى شيء أصلا ، وكان ما به رضاه بمجعولاته هو نفس علمه بها وبأنّها خيرات في أنفسها ، لا بأنّ لها خيريّة ما عائدة إليه ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا. وهذا العلم هو بعينه ذاته الحقّ ، وهو عين الإرادة. فإذن ، هو ، سبحانه ، شاء بذاته ، لا بهمّة تعرض ذاته. ومعنى واحد منه وهو ذاته هو إدراك المجعولات ووجه الخير فيها وسبيل إلى الجعل والإفاضة.
فكما فينا تترتّب حركة [القوّة] الشّوقيّة على نفس تصوّرنا [١١٦ ب] الشيء واعتقادنا أنّه نافع أو صواب بالقياس إلينا من دون أن يتوسّط بين التصوّر والاعتقاد وبين اهتزاز الشوق إرادة أخرى غير نفس ذلك الاعتقاد ؛ ففى الصّنع الرّبوبىّ يترتّب الجعل والإفاضة على نفس علمه ، سبحانه ، بالشيء وأنّه حسن وخير في نفسه ، من غير أن يتوسّط بينهما شوق وإرادة أخرى وراء ذلك العلم الذي هو بعينه نفس مرتبة الذّات. فهو ، سبحانه ، بذاته يعلم المجعولات ويرضاها ، فيفعلها طولا وجودا ، لا على أن يطلبها ويشتاق إليها. فهو ، سبحانه ، أعلى في إرادته من الاختيار الّذي للمختارين من مجعولاته ، فضلا عن الإيجاب الّذي للطّبائع المضطرّة إلى أفاعيلها ، وهي بذواتها وخواصّها مسخّرات بأمر الله وحده.