الوجود وعالم الامكان إلى الله الواحد الحقّ ، سبحانه ، من غير إثبات تأثير ما ومدخليّة ما لغيره ، سبحانه وتعالى ، في ذرّة من ذرّات الوجود أصلا ، فإنّ تشبيههم بالمجوس والثنويّة ممّا لا يكاد يصحّ له وجه يستصحّه أولو الألباب.
قلت ، أوّلا ، لا يستراب في أنّ الفريقين المتخاصمين متّفقان على أنّ كل ما على ساهرة التقرّر وفي دائرة الوجود ، فإنّه منته في سلسلة الاستناد ولو بأخرة إلى مبدأ واحد هو الله الأحد الحقّ ، تعاظم سلطانه. ومن ليس يعتقد ذلك فهو في طريق الشرك وفلاة الإشراك ، لا في مدينة الإخلاص ودين التوحيد. إنّما الاختلاف والاختصام في أنّ المبدأ القريب المستند إليه المعلول ابتداء لفعل : أهو قدرته وإرادته أم القدرة الوجوبيّة الربوبيّة والإرادة الحقّة الإلهيّة. فإذن ليس مناط التشبيه هنالك القول بتثنية المبدأ ، بل إنّ ملاكه أنّه كما المجوس يجعلون الإنسان معزولا مطلقا من المدخليّة في فعله خيرات أفاعيله مستندة إلى يزدان وشرورها إلى أهرمن ، فكذلك المجبّرة والكسبيّة. إلّا أنّهم يسندون الجميع من بدء الأمر إلى الله الواحد القهار.
وثانيا ، أنّه لو كان ذلك مساغ المجوسيّة لم يكن للأشاعرة مساق إلّا إلى الوقوع فيها ، ضرورة أنّ كلّ مخلوق مستند إلى الله سبحانه وإلى قدرته وعلمه وإرادته بتّة. وتلك صفات أزليّة زائدة على الذات الأحديّة عندهم وليس ما وراء الذات الواجبة إلّا الجائزات الصرفة. فإذن لا محيص لهم من إثبات مبادى متعدّدة للوجود وإسناد كلّ موجود إليها جميعا.
وما يتمجمج به أبو الحسن الأشعريّ : «إنّ هذه الصفات أزليّة قائمة بذاته تعالى ، لا يقال هي هو ولا غيره ولا هو ولا غيره» ، كما نقله عنه صاحب «الملل والنحل» (ص ١٠٩). ممّا لا يفوه به من يستحقّ مخاطبة العقلاء. ولقد أصاب واصل بن عطا في ما قال: «من أثبت معنى وصفة قديمة فقد أثبت إلهين» (الملل والنحل ، ص ٦٠)
وفي أحاديث أصحاب العصمة من أئمّة المسلمين ، صلوات الله عليهم ، نصوص ناصّة على أنّ من أثبت لمبدإ الوجود صفة أزليّة وراء ذاته القيّومة فقد أشرك وثنّى واتخذ مع الله آلهة أخرى. ولروايات بذلك متكاثرة الطرق متواترة المعنى. وهي جميعا في معنى ما رواه الصدوق ، رضوان الله تعالى عليه ، في كتاب «عيون أخبار الرضا» عليه