الذّات بما (١) هي هي ، ولا اقتضاء من تلقائها لذلك ، بل مصداق السّلب التّحصيليّ في تلك المرتبة عدم اقتضاء من تلقاء جوهر الذّات للضّرورة المسلوبة.
فالتقرّر والبطلان بالفعل كلاهما مسلوبان في تلك المرتبة. وإنّما الصادق سلب كلّ منهما سلبا بسيطا ، وليس في ذلك استيجاب كذب النّقيضين في تلك المرتبة. أليس نقيض [١٤ ب] التّقرّر في تلك المرتبة سلب التّقرّر في تلك المرتبة على أن يكون القيد للتقرّر المسلوب على سبيل نفي المقيّد ، لا السّلب على سنّة النفى المقيّد.
فإذن ، للمعلول في نفسه أن يكون ليس ، ليسا مطلقا ، وله عن علّته أن يكون أيس ، فسلب الطّرفين ، سلبا بسيطا ، هو حال الذّات في حدّ جوهرها ، والأيس بالفعل حالها بحسب الاستناد إلى الغير ، فهو لا محالة سابق عليه ما دامت الذّات متقرّرة ، سبقا بالذّات.
فتلك المسبوقيّة بالذّات هي الحدوث الذّاتيّ ، وبحسبه الذّات المتقرّرة ما دام تقرّرها من تلقاء إفاضة الجاعل لا يستطيع العقل أن يلحظها إلّا مختصّة بالهلاك والبطلان ، أي : السّلب الصّرف واللّيس المطلق باعتبار نفس جوهرها أبدا ، فهل الحقيقة الجوازيّة إلّا حيّز القوّة المحضة ووطن الفاقة المطلقة ، (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٢) (القصص ، ٨٨).
__________________
ـ الشّاكلة لسائر الأقسام ، إذ بحسبه للشّيء معنى ما بالقوّة وبحسب سائر الأقسام معنى ما بالقوّة لم يكن شططا. وبالجملة الإمكان الذّاتيّ ليسيّة نفس جوهر الذّات في تقرر ، لا ليسيتها في انتفاء ، فلذلك لا يصحّ أنّ يوصف به المعدوم بما هو معدوم بالحقيقة ، بل معنى إمكان المعدوم أنه لو وجد كان الإمكان من أوصافه العقليّة الانتزاعية بخلاف المعدوم الممتنع (منه دام ظله).
(١) قوله : «فهو يصدق في مرتبة الذّات». وبذلك ينحلّ إعضال مستعصب : هو أنّ الماهيّة بما هي هي يجب أنّ توصف بالإمكان ، لأنّ شيئا من المفهومات لا يكون عروا عن الوجوب والامتناع والإمكان جميعا ، إذ قسمة عنصر العقد إليها مستوعبة لكافة المفهومات بقاطبة الاعتبارات ، مع أنّ الإمكان من العوارض ومن اصول الحكمة أنّ الماهيّة من حيث هي ليست إلّا هي ، والعرضيات بأسرها مسلوبة عن مرتبة الذّات. والحلّ : أنّ الضرورة من عوارض الذّات. وإنّما الكاذب إيجاب السّلب في تلك المرتبة. فمقتضى الأصل عدم ثبوت العوارض مطلقا في مرتبة جوهر الذّات بما هي هي ، فيكذب إيجاب العارض وإيجاب سلبه جميعا في تلك المرتبة ، لا سلب ثبوت كلّ منهما سلبا بسيطا. فسوالب الموجبات بجملتها صادقة والموجبات بأسرها كاذبة وكذلك سوالب السوالب (منه دام ظله العالى).
(٢) «كلّ شيء هالك إلّا وجهه» ، يمكن عود الضمير في الآية الكريمة إليه سبحانه وإلى الشّيء.
فعلى الاوّل ، الوجه بمعنى الذّات ، كما فى قولهم : «أكرم الله وجهك». وإذ تحقق الحدوث الذّاتىّ. فكلّ شيء هالك الوجه باطل الذّات فى حدّ ذاته أزلا وأبدا ، إلّا وجهه الكريم الّذي هو بحت الوجود الحقّ القيّوم الواجب بالذات. فالعارف يسمع نداء بطلان عالم الإمكان من قوله عزّ من قائل : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) على الاتّصال. ولا يؤجّله بقيام الساعة ولا يؤخّره إلى وقت مرتقب وأمد منتظر ، بل لا يفارق ذلك ـ