فيكون عدم العالم في الأزل لعدم جاعله التّامّ. فلا محالة يجب أن يخرج شيء ممّا يعتبر في تماميّة الجاعل من القوّة إلى الفعل مع خروج العالم من القوّة إلى الفعل بتّة ؛ ويعطف النّظر إلى ذلك الخارج ، ويساق الفحص إلى حيث تتمادى الخارجات إلى الفعل معا إلى لا نهاية.
فيقال : أهي وجودات مترتبة ، فيلزم التّسلسل المستحيل عند الخروج أو عدمات مترتّبة حادثة معا فيلزم ذلك التّسلسل من قبل الخروج ، أو متشابكة فيلزم التّسلسل المستحيل أيضا إمّا عند الخروج أو قبله.
وهذه الدّاهية تعمّ حدوث جملة العالم وحدوث أيّ جزء كان من أجزائه ، فيلزم قدم العالم بضرّاته وذرّاته جميعا ، حتّى الحوادث اليوميّة والكائنات الآنيّة الوجود. ولا يجدى ما يتخيّل من التّسلسل التّعاقبىّ في المعدّات والمهيّئات لحدوث شيء من الأشياء ، كما هو مستبين.
وثانيتها : إنّ القول بأزليّة البارى ، سبحانه ، وحدوث مجعولاته بالأسر تعطيل الجواد الحقّ عن جوده عند عدم المجعولات رأسا ، وذلك خلف محال. إذ إنّما جوده المطلق وجواديّته المختصة بالذّات بحسب مرتبة الذات ، لا من جهة أمر وراء نفس الذات أصلا. والواجب بذاته لا يكون إلّا واجبا بالذّات من جميع جهاته. وليس يصحّ أن يتّصف به أخيرا بما ليس له أوّلا فى مرتبة ذاته. وأو لا يتدبّر ما ذا يضرّ الشّمس دوام شعاعها وبقاء ذرّات في نورها. فما ظنّك بشمس عالم العقل ، وهو نور الأنوار ، غير متناهى النّوريّة والمجد والكمال ، إذا كان مفيضا للنور وقائما بالقسط أزلا وأبدا ؛ ومن البيّن أنّ ما يفيض منه الوجود دائما ، فإنّه أفضل ممّا يتعطّل مدّة لا عن بداية فينبعث فيه فعل الإيجاد والإفاضة. وهذان الإعضالان من شبهات أبرقلس في الدّورة اليونانيّة.
وثالثتها : أنّ الزّمان لو كان حادثا كان متناهي الكميّة من جانب الأزل ولم يكن يمتنع بالنّظر إليه أن يكون يخلق أطول تماديا وأكثر تقدّرا ممّا قد خلق عليه ومن كلّ مرتبة مقداريّة بعينها تفرض له من مراتب التقدّرات الممكنة الانفراض لا إلى نهاية في جهة البداية ، إذ طباع الكم ليس يأبى الزّيادة والنّقصان ولا شيئا من مراتبهما