فإذن قاطبة الأشياء المسبوقة بالعدم الدّهريّ فائضة عن صنع الجاعل الحقّ في الدّهر أبدا بحسب حدوثها وبقائها الدّهريّين جميعا ، ليست هي بعد الفيضان غير منسلخة عن طباع الجواز ، والتّقرّر حال التّقرر جائز الانتفاء بالنّظر إلى الذات الجائزة في ضمن الانتفاء المطلق رأسا ، فلا يكون وجوبه إلّا من قبل التقرّر المفروض ، وليس هو إلّا من تلقاء إفاضة الجاعل.
ثمّ أليس ما في عالم الزّمان من الكائنات على ما هي عليه من التّدريجات والتّدرّجات والتّقضّيات والتّجدّدات من تلقاء صنع الصّانع الحقّ وتكونيه ، والمرّة الواحدة الدّهريّة بعينها مرّات زمانيّة متعاقبة بالقياس إلى الزّمانيّات المتلاحقة لا إلى نهاية أخيرة لا تتعدّاها ، وكذلك الإفاضة الدّهريّة بعينها إفاضات زمانيّة عند الزّمنيّين.
فإذا تدبّرت انصرح لك من هذه السبل : أنّ رحمة ربك فعّالة الجود عمّالة الفيض على الاستدامة والاتصال جودا غير مصروم وفيضا غير مجذوذ ، وأنّه ، عظم سلطانه ، يصبّ الفيض فى وعاء التجوهر والوجود ، وأنّ الله سبحانه لا يجرى عليه حركة ولا سكون ، لا في ذاته ولا في صفاته وجهات ذاته ، ولا في فعله وصنعه ، ولا في أفا عليه ومصنوعاته بقياسها إليه ومصنوعاته بقياسها إليه بحسب الصّدور عنه والمثول بين يديه. ومع ذلك كلّه ، فسبحانه عن العطلة والكلال ، إنّ رحمة ربّك فعّالة الجود ، عمّالة الفيض على الاستدامة والاتّصال جودا غير مصروم وفيضا غير مجذوذ ، وإنّه ، عظم سلطانه ، يصبّ الفيض في وعاء التجوهر والوجود ، أعني الدّهر ، أبدا ، صبّة واحدة. فلا يزال يصنع ويجعل ويفيض العوالم بأسرها معا مرّة واحدة غير زمانيّة ولا آنيّة :
أمّا عالم الأمر والحمد ـ وهو الأنوار العقليّة والجواهر الثّابتة وبالجملة الإبداعيّات ـ ففى كبد الواقع ومتن الأعيان لا في زمان ولا في آن. وأمّا عالم الخلق والملك ـ وهو الظّلمات الهيولانيّة والبرازخ المتغيّرة الجسمانيّة وبالجملة التكوينيّات ـ ففى الأزمنة والآنات والأحياز والأمكنة ، كلّ هويّة شخصيّة منها بشخصيّتها في وقت بخصوصه وفي حيّز بعينه ، وهي على تدرّجاتها وترتّباتها وغيبوبة بعضها عن بعض في عالمى الزّمان والمكان غير متدرّجة التقرّر ولا متعاقبة الحصول بالقياس إلى جنابه سبحانه ، وبحسب المثول بين يدى علمه وقدرته و