فإذن ، الحوادث الدّهريّة على الإطلاق الاستغراقىّ ، سواء كانت حادثات زمانيّة أو قديمات زمانيّة أو خارجة رأسا عن الدّخول في جنس القدم والحدوث الزّمانيّين ، لها بحسب الجواز الذاتىّ قوّة الصّدور حال التّقرّر وحين الوجود ، لا إذا كانت معدومة في الدّهر على الإطلاق.
وأمّا الحوادث الكونيّة الزّمنيّة ، فإنّ لها من حيث سبق المعنى الآخر الذي يسمّى الجواز الاستعداديّ قوّة الصّدور قبل الوجود ، بحسب حال مادّتها الحاملة لا مكانها المتحرّكة في الكيفيّات الاستعداديّة ، وليس يستوجب سبق قوّة القبول بحسب الجواز الذي بمعنى الاستعداد إلّا الحدوث الزّمانىّ ، فإذن العدم على الإطلاق إنّما يصادم التكوين دون الإبداع والاختراع.
فأمّا أنّه كيف يتصحح فى العدم الباتّ المطلق أن يتخصّص شيء ما باستحقاق الصّدور ، فتصحيحه أنّ ظهور الجاعل التّامّ وحضوره بما هو جاعل تامّ ـ لست أعنى بذلك لحاظ هذه الحيثيّة ، بل إنّما أعنى أنّ ظهوره من كنه الحيثيّة التي منها منه يصدر وعليها يترتب المجعول لا محالة ـ هو بعينه ظهور المجعول وحضوره ، وهو أقوى في إفادة انكشاف المجعول من حضور المجعول بنفسه فضلا عن حضور صورته الظّليّة.
واذ من المستبين سبيله أنّ القيّوم الحقّ ، جلّ ذكره ، بنفس ذاته جاعل تامّ لنظام الخير في الوجود كلّه ، وهو بكنه ذاته بحيث يفيض عنه الخير ويترتب عليه النظام الجملىّ من البدء إلى ساقه. فإذ هو سبحانه يعلم كنه ذاته أتمّ العلوم وأقواها ، فهو من نفس عقله ذاته يعقل نظام الخير في عوالم الجواز من بدء التجوهر إلى ساقته ومن أوّل الوجود إلى أقصاه. وهو ، سبحانه ، بنفس ذاته ومن حيث كنه حقيقته واسع عظيم وبكلّ شيء محيط عليم ، وسواء بالقياس إلى إحاطة علمه التّامّ الأشياء قبل الوجود وحال الوجود ، إذ ليس هو يستفيد من وجودها علما جديدا ، وكذلك المبصرات بالقياس إلى بصره ، والمسموعات بالقياس إلى سمعه ؛ وسمعه وبصره هما نفس ذاته وبحت حقيقته ، لا أمر وراء حقيقته مزيد على مرتبة ذاته.
فإذ هو ، جلّ مجده ، يعقل من نفس ذاته وجه سياق الفضل وإسباغ الفيض وإتمام الرّحمة في عوالم التقرّر بجملتها وكيفيّة نظام الخير في الوجود كلّه أشدّ التعقّلات و