«إنّ السّابق واللّاحق من المعدّات كأجزاء الحركة متعاندا التّحقق وممتنعا الاجتماع ، وإيجاد اللّاحق رافع لإيجاده الذي هو شرط في وجود السّابق المعاند له. ورافع الشّرط علّة للعدم ومتقدّم عليه. فإذن وجود اللّاحق متقدّم على العدم اللّاحق بالسّابق. فإذا جعل العدم اللّاحق به شرطا لوجود اللّاحق دار».
فاستسقطه : «أنّ وجود اللّاحق ، كما أنّه معاند لوجود السابق ، فكذلك هو معاند لوجود السّابق على السّابق. فإن صحّ ذلك البيان استوجب أنّ يكون وجود اللّاحق شرطا في عدم السّابق على السّابق ، وهو متأخّر عنه بالزّمان. هذا خلف».
ثمّ قال : «والحقّ عندهم أنّ وجود السّابق علّة لإعداد وجود اللّاحق ، وعدمه اللّاحق به شرط في وجود اللّاحق ، وهو بالذّات متقدّم عليه ومقارن لتمام الإعداد ، لوجوده الذي هو الشّرط المتمّم لعليّة المبدأ الأوّل الأزلىّ». (تلخيص المحصل ، ربط الحادث بالقديم ، ص ٤٨٣) وليس في شيء من ذلك إفشاء موضع التّدليس فيه.
(٢) ومنها ـ وهو أثقل عليهم صعوبة ـ أنّ انعدام الحادث الزّمانىّ من بعد وجوده ، لا محيد له من الاستناد إلى تجدّد أمر ما يقتضيه لا محالة ، وليس يسوغ أن يكون وجود شيء ، من الحوادث المتعاقبة الّتي هي معدّات وجود ذلك الحادث أو عدمه ، هو المتجدّد المتقضّي.
أليس كلّ منها بوجوده وعدمه الطّارئ جميعا من أسباب وجود الحادث ، فكيف يعود وجوده أو عدمه سببا لارتفاعه؟. فإذن ، إمّا المتجدّد ، وجود ما خارج عن تلك السّلسة ، فيساق النّظر إليه إلى أن يتمادى وجودات مترتّبة معا إلى لا نهاية عند الارتفاع ، وإمّا عدم ما كذلك. فيترتّب طرأ عدمات متمادية إلى لا نهاية حين الارتفاع ، ويستوجب وجودات كذلك من قبل.
(٣) ومنها ـ وهو الأكبر عند الجماهير داهية ـ أنّه إنّما العلّة التّامّة لوجود الحادث المبدأ القديم بوجوده الأزلىّ والحوادث المتعاقبة بما أنّها وجدت ثمّ انعدمت ، والمبدأ القديم غير جائز الزّوال ، لكونه سرمديّ الوجود ، والحوادث المتعاقبة متّصفة في الآباد بأنّها قد انعدمت بعد ما أن وجدت. فهى مستحيلة الزّوال من تلك الجهة ، وهي من تلك الجهة معتبرة في استتمام العلّة.