ثمّ العقل بمعونة الوهم ربما يحلّله إلى أجزاء يخرجها له من القوّة إلى الفعل. فتلك القبليّات والبعديّات ، أعنى بذلك أنّ تلك النّحو من القبليّة والبعديّة لا تزيد على حقيقة الزمان ، بل إنّ ما به القبليّة والبعديّة هو نفس أجزاء الزّمان ، سواء كان القبل والبعد هي أو غيرها. فكلّ جزء من أجزاء الزّمان هو نفس القبل والقبليّة باعتبارين [٢٤ ب]. وكذلك ما به المعيّة في ما تجرى فيه المعيّة الزّمانيّة ، فإنّه أيضا هو بعينه جزء من أجزاء الزّمان.
فإذن ، التقدّم والتأخّر ليسا بعارضين يعرضان للأجزاء ، فيصيّرانها متقدّما ومتأخّرا ، بل تصوّر عدم الاستقرار الّذي هو حقيقة الزّمان يستلزم تصوّر التقدّم والتّأخّر للأجزاء المفروضة فيه لعدم الاستقرار ، بل هما آن جزء منه أو حدّان مفروضان فيه. وهذا تحصيل معنى عروضهما له بالذّات.
وأمّا ما له حقيقة غير عدم الاستقرار يقارنها ذلك ، كالحركة وغيرها ، [٢٥ ظ] فإنّما يصحّ حمل المتقدّم والمتأخّر عليه بتصوّر عروضهما له. فانفصال ما هو المعروض بذاته عن الّذي بغيره قد استوى إذن أمره.
قال الشيخ أبو على في طبيعيّات («الشفاء» ، ص ١٥٨) في الفصل المعقود للمختار من المذاهب ، بعد قسط من البيان :
«فبيّن من هذا إنّ هذا المقدار هو بعينه الشّيء الّذي هو لذاته يقبل إضافة قبل وبعد، بل هو في نفسه منقسم إلى قبل وبعد. لست أعنى بهذا : أنّ الزّمان يكون قبل لا بالإضافة ، بل أعنى أنّ الزمان لذاته تلزمه هذه الإضافة ، وتلزم سائر الأشياء بسبب الزّمان ، فإنّ الشيء إذا قيل له قبل ، وكان ذلك الشيء غير الزّمان ، (٢٥ ب) فكان مثل الحركة والإنسان وغير ذلك ، كان معناه : أنّه موجود مع شيء هو بحال ، تلك الحال تلزمها إذا قيست إلى حال الآخر إن كان الشّيء بها قبل لذاته ، أى يكون هذا اللزوم له لذاته. فالمتقدم تقدّمه أنّه له وجود مع عدم شيء آخر لم يكن موجودا ، وهو موجود ، فهو متقدّم عليه إذا اعتبر عدمه ، وهو معه إذا اعتبر وجوده فقط ، وفي حال ما هو معه ، فليس متقدما عليه ، وذاته حاصلة في الحالين ، وليس حال ما هو له متقدم هو حال ما هو مع ، فقد يبطل منه لا محالة أمر كان له من التقدّم عند ما هو مع