بنفس ذاته ، لا بحيثيّة ما تقييديّة ولا تعليليّة ، ومن كلّ من الأشخاص الجوازيّة بحيثيّة ما تعليليّة هي استنادها إلى المشخّص الحقّ بنفس ذاته ، استنادا منفعلا ؛
وأنّ الجاعل الحقّ يعقل ذاته عقلا تامّا ، ويعقل أنّه جاعل كلّ ماهيّة وهويّة ؛ فيعقل أوائل المتقرّرات عنه وما يتولّد عنها. ولا شيء من الأشياء إلّا وقد صار واجب التّقرّر والوجود من تلقائه ، يتأدّى إليه بعينه قدره الّذي هو تفصيل قضائه الأوّل تأدّيا واجبا ؛ وأنّه جلّ قدسه ، يمتنع أن يستفيد أو يزداد من وجود الأشياء علما أو يكون له حالة ما يتجمّل به ذاته أخيرا ، إذ ذلك من خواصّ الانفعال ، وهو من عوارض القوّة الانفعاليّة الّتي هي شأن جوهر الهيولى.
فإذن ، قد آن لك أن تستيقن أن العليم الحقّ ، سبحانه ، ليس يسوغ أن يدرك المتقرّرات الزمانيّة والمكانيّة إدراكا حسيّا أو خياليّا ، ويشير إليها إشارة حسّية ، وهي امتداد وضعىّ من ذى وضع إلى ذى وضع آخر كائن منه في جهة معيّنة [١٠٨ ب] ، أو يعقل الأشياء شيئا فشيئا على سبيل الانتقال من معقول إلى معقول ، بل إنّه يجب أن يعقل قاطبة الماهيّات والهويّات العقليّة والحسيّة معا ، عقلا تامّا وفوق التمام ؛ ويحيط بجملة امتداد الزمان من أزله إلى أبده ، بما فيه من الأجزاء المفترضة وجميع المتزمّنات المقارنة لزمان زمان ، وجملة النسب الواقعة بينها ومقادير قبليّاتها وبعديّاتها على ما هي عليه في الوجود ؛ وكذلك بجملة الأحياز والأمكنة السّارية في الجهات مع المتمكّنات الّتي تحويها والأوضاع والجهات والنسب الّتي هي عليها وما يتألف منها إلى لا نهاية ، وكيفيّة الإشارات الحسيّة من كلّ إلى غيره ، ومقادير الامتدادات بينها على ما عليه الوجود.
فالأشياء تامة الحضور عنده أبدا ، زمانيّة كانت أم غير زمانيّة ، والماضى هناك قائم والمستقبل حاضر. وبالجملة يحضر عنده عرش الزمانيّات وفلك المتغيّرات وعنصر التقضّى والتجدّد وسنخ الامتداد بما يحتفّ به من الضرّات والذرّات. وهو يعقل الأشياء الغير المتناهية على مراتبها واختلاف شئونها ، من الأبديّة والبائديّة ، والقارّيّة واللّاقارّيّة ؛ فهى كلّها حاصلة بالفعل عنده. والموجود المتقضّى شيئا فشيئا ، والمعدومات في الماضى ، والمعدومات في المستقبل كلّها بالإضافة إليه موجودة