قريحتك لفطّنك لما يفى بإزاحة الشكوك وإماطة الأوهام بإذن الله سبحانه.
فاعلمن أنّه فرقان ما بيّن ، بين الفاعل لفعل ما بالإرادة والاختيار وبين جاعله التامّ ، الموجب بإرادته واختياره ، المفيض لوجوده ووجود علله وأسبابه (٢ ظ) وشرائطه ومنتظراته على الإطلاق ؛ فالمباشر الذي اختياره أخير ما تستتمّ به العلّة التامّة لفعله ، فاعل لذلك الفعل بالاختيار لغة وعرفا واصطلاحا لدى الجماهير من العامّة والخاصّة. وليس هو بالجاعل التّامّ الموجب إيّاه بالإرادة والاختيار إلّا إذا كان مفيضا لوجوده بإفاضته وإفاضة جملة ما يفتقر إليه من العلل والأسباب.
وإذ دريت ذلك بزغ لك أنّ الإنسان حيث إنّه مباشر لفعله واختياره أخير منتظرات الفعل وآخر أجزاء علّته التامّة ، فهو لا محالة فاعل مختار لأفعاله وأعماله. وحيث إنّه ليس الذي يفيض وجود الفعل وعلله وأسبابه ، إذ من جملة العلل والأسباب وجود نفسه وتحقّق قدرته واختياره وسائر ما يتعلّق به ذلك ممّا يغيب عن عقولنا ، ولا تحيط به أوهامنا. فليس هو الجاعل التامّ الموجد الموجب لأفعاله بالضرورة الفحصيّة ؛ بل إنّما الجاعل التامّ الموجد الموجب لكلّ ذرّة من ذرّات نظام الوجود بالإرادة والاختيار هو الملك الغنىّ الحقّ المفيض لعوالم الوجود بقضّها وقضيضها على الإطلاق ؛ وليس يصادم ذلك توسيط العلل والأسباب والشرائط والروابط الفائضة جميعا من جناب فيّاضيّته الحقّة المطلقة. ومن جملة العلل الرابطة والأسباب المتوسطة قدرة العبد ومنّته وشوقه وإرادته بالنسبة إلى ما يؤثره من أعماله وأفعاله.
وذلك ، كما أنّ الله ، سبحانه ، هو الموجد المفيض الجاعل لذات زيد ووجوده مثلا ، مع أنّ أباه وأمّه وغيرهما ممّا يتوقّف عليه دخوله فى دائرة الوجود من جملة علله وأسبابه المستندة في سلسلتيها الطوليّة والعرضيّة جميعا إلى جاعليّته التامّة ، تعالى شأنه وتعاظم سلطانه. (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (الرعد ، ١٦).
وهذا البيان يستكشف غطاء الخفاء عن سرّ قول سادتنا الطاهرين المعصومين ، صلوات الله وتسليماته على أرواحهم وأجسادهم أجمعين : «لا جبر ولا تفويض ، ولكن أمر بين أمرين» (بحار الأنوار ، ج ٥ ، ص ١٢).
ومن هناك ما تسمع بعض شركائنا السّالفين من الحكماء الراسخين يقول : «الإنسان