مضطرّ في صورة مختار» ، ومنهم من يعكس القول ، فيقول : «مختار في صورة مضطرّ».
وعند هذا سقط ما أعضل لك في أمر المسألة ، من قولك : «إذا كان الفعل من العبد لزم تعدّد المؤثّر ، وإذا كان من الله سبحانه لزم الجبر». بقوّة هذا الأصل يماط أذى الشكّ عن طريق العقل في أمر الدعاء. إذ يتشكك ويقال : «إن كان ما يروم الدّاعى بالطلب والسّؤال إنجاحه ممّا لم يجر قلم القضاء الأزلىّ بتقدير وجوده ولم يتطبّع لوح القدر الإلهيّ بتصوير حصوله ، فلم الدعاء وما فائدته؟ وإن كان ممّا قد جرى به القلم وتطبّع به اللوح فما الداعى إلى تكلّفه؟ وأىّ افتقار إلى تجشّمه؟» ويزاح : بأنّ الطلب أيضا من القضاء ، والدعاء أيضا من القدر ، وهما من شرائط المطلوب المقضىّ ومن أسباب المأمول المقدّر. فإذا كان قد جرى القضاء والقدر بحصول مأمول ، ما كان الطلب والدعاء اللذان هما من شرائطه وأسبابه المتأدّية إليه أيضا من المقضىّ المقدّر ، وإلّا فلا. وقد تكرّر ورود ذلك في الحديث عن خزنة الوحى وأصحاب العصمة ، صلوات الله وتسليماته عليهم أجمعين.
فأمّا ما قد استصعب واعتاص على سلّاف العشيرة وشركاء الصّناعة عن آخرهم هنالك من التعضيل : ب «أنّه إذا تأسّس أنّ فعل العبد لا يكون إلّا بإرادته واختياره ، عطف النظر ونقل القول إلى الإرادة نفسها : أهي أيضا بالإرادة والاختيار وكذلك إرادة الإرادة ، وإرادة إرادة الإرادة؟ وهكذا ، فيلزم في كلّ فعل إرادات متسلسلة إلى لا نهاية». وذلك مع بطلانه في نفسه وشهادة صريح الوجدان بانتفائه ليس ممّا ينجع أصلا. إذ سلسلة الإرادات الغير المتناهية جميعا بحسب لزوم الاستناد إلى إرادة أخرى حينئذ في حكم الإرادة الاولى بعينها أم حصولها بالاضطرار الصرف والإلجاء الباتّ من دون إرادة واختيار. فقد رجع الأمر إلى الجبر وانصرم القول بالاختيار ، فلم يكن إلى زمننا إلى إزاحة سبيل تحصيلىّ إلّا من كلماتنا وأقاويلنا. فنقول بإذن الله سبحانه :
إنّه إذا انساقت العلل والأسباب المترتّبة المتأدّية بالإنسان إلى أن يتصوّر فعلا ما ويعتقد أنّه خير ، حقيقيّا كان أو مظنونا ، أو أنّه نافع في خير حقيقىّ أو مظنون ؛ انبعث له من ذلك شوق إليه. فإذا تأكّد الشوق وصار إجماعا ، وذلك الذي يعبّر عنه بالإرادة المستوجبة اهتزاز العضلات والأعضاء الأدوية ؛ كانت تلك الحالة الشوقيّة الأكيدة