بالتبصّر صادفت بعقلك أنّ الشرور المرادة لا بالذّات بل بالعرض في النشأتين. إنّما شريّتها بالقياس إلى جزئيّات بخصوصها وأشخاص بعينها من أجزاء نظام عوالم الوجود هي طفيفة جدّا بالنسبة إلى سائر الأجزاء. فأمّا بالقياس إلى النظام الجملىّ الواحد بشخصيّته الجمليّة. وكذلك بالقياس إلى تلك الأشخاص والجزئيّات ، لا بحسب أنفسها برءوسها ومن حيث هويّاتها على انفرادها ، بل بما هي أجزاء الشخص الجملىّ والنظام الكلّىّ التّامّ الفاضل الشريف الكامل ، فلا شرّ ولا شريّة أصلا.
فلو أنّ اللاحظ لنظام الوجود ، المصادف بلحاظه شرورا واقعة فيه كان واسع العلم ، تامّ الإبصار ، محيط اللّحظ بجملة النظام على هيأته الوحدانيّة وبالاسباب المتأدّية إلى المسبّبات جميعا على سياقتها الاتساقيّة ، لم يكن يجد في الوجود ما يصحّ أن يطلق عليه الشرّ أو تنسب إليه الشرّيّة بوجه من الوجوه ، فليتبصّر.
ولعلّ لكلا الوجهين قال عزّ قائلا في آية الملك : (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) (آل عمران ، ٢٦) ، لا للأوّل منهما فقط ، كما في بيان البيضاويّ ، حيث قال : «ذكر الخير وحده ، لأنّه المقضىّ بالذّات ، والشّرّ مقضىّ بالعرض» ، إذ لا يوجد شرّ جزئيّ ما لم يتضمّن خيرا كليّا. وكذلك في حديث الدعاء بين التكبيرات السبع للصلاة : «لبّيك وسعديك ، والخير في يديك والشرّ ليس إليك» (بحار الأنوار ، ج ٩٩ ، ص ٢٣٩).
وممّا يجب أن يعلم أنّ الشرور الواقعة في الوجود إنّما دخولها بالعرض في القضاء لا في القدر. فما استوجبه القضاء بالذّات أو بالعرض واستجمعه على النظام الإجمالىّ والسياقة الإجماعيّة يستعرضه القدر بالذّات ويفصّله قضّا وقضيضا على التكثّر والتدريج والتسابق والتلاحق فليفقه. فهذا شطر من جزيل القول هناك ، وحقّ البسط فيه على ذمّة ما يسرّنا الله له بعظيم فضله وكبير طوله.