فتدبّر في فحصك وتثبّت في أمرك ، وافقهنّ أنّه كما فعل العبد وإرادته واختياره إيّاه من القضاء الربوبىّ والقدر الإلهيّ ، حسب ما أوجبه علمه التامّ القيّومىّ وإرادته الحقّة الوجوبيّة الموجبة لإفاضة الخيرات على طباق استعدادات الموادّ وبمقدار استحقاق الماهيّات ، على ما يقول القرآن الكريم : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (الإنسان ، ٣٠) ، ويقول عزّ قائلا : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (الكهف ، ٢٣) ؛ فكذلك المثوبة والعقوبة من القضاء والقدر ، كما قاله شريكنا السالف في رئاسة الفلسفة الإسلاميّة في كتاب «الإشارات» (شرح الإشارات ، ج ٣ ، ص ٣٢٨). وأنّ استيجاب المثوبة والعقوبة من لوازم ماهيّات الأفعال الحسنة والسيّئة المتفاوتة بحقائقها المختلفة في اقتضاء درجات الحسن والقبح الذاتيين على المعنى الذي هو حريم التنازع بين الفريقين المتخاصمين ؛ واختلاف تلك الدرجات الحسنة والقبيحة مبدأ استيجاب اختلاف المثوبات والعقوبات الإلهيّة وإنّما يرجع ذلك إلى الفاعل المباشر ، لأنّه المحلّ القابل دون المفيض الموجد.
وهذا ، إن هو في الاعتبار والمقايسة لدى العقل الصريح ، إلّا كما الأدوية الترياقيّة والسميّة إنّما تظهر خواصّها وآثارها في أبدان شاربها وأمزجتهم ، لا في ذات موجدها الجاعل إيّاها ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، فالطّبّ الروحانىّ في ذلك على قياس الطبّ الجسمانيّ ، والأدوية العقلانيّة على قياس الأدوية الجسدانيّة.
فإذن ، الثواب والعقاب مترتّبان على إرادة الفاعل المباشر المستحقّ لهما بإرادته واختياره ، واختلاف مراتبها جزالة وطفافة وشدّة وضعفا على حسب اختلاف ذوات الحسنات والسّيئات المستوجبة لها في حدّ أنفسها.
ثمّ اعلمنّ أنّ الشرور والآلام الواقعة في الوجود في هذه النشأة والنشأة الآخرة إنّما استنادها إلى الإرادة الربانيّة والإفاضة السبحانيّة بالعرض من حيث هي لوازم للخيرات الكثيرة التي يجب في سنّة الفيّاضيّة الحقّة والوهّابيّة المطلقة تعلّق إرادته سبحانه بها بالذّات.
وأيضا قد اقترّ في مقارّه أنّ لوازم الماهيّة إنّما تستند بالذّات إلى نفس الماهيّة ، وأمّا استنادها إلى جاعل الماهيّة فبالعرض. على أنّك إنّ دقّقت التأمّل وفتّشت