مراتب مرتّبة على حسب تضاعف الاعتبارات والالتفاتات ، هي العلم بالمعلوم ، والعلم بالعلم بالمعلوم ، والعلم بالعلم بالعلم ؛ ويحكم أنّ المراتب اللامتناهية مضمّنة بأسرها في تلك الحالة الانكشافيّة بصورة واحدة بسيطة ؛ فكذلك هنا حالة شوقيّة إجماعيّة مجملة يفصّلها العقل على حسب تضاعف الالتفاتات والاعتبارات إلى مراتب متسلسلة مترتّبة هي إرادة الفعل وإرادة إرادة الفعل ، وإرادة إرادة الإرادة ؛ ويحكم بأنّ المراتب المتسلسلة المرتّبة الغير المتناهية مضمّنة الحصول جميعا في تلك الحالة المجملة الإجماعيّة بهيئة واحدة بسيطة. لكنّ الترتّب هنا متصاعد ، كما بين أبعاض الحركة الواحدة المتصلة المتسابقة إلى مبدأ المسافة. وهناك متنازل ، كما بين أبعاضها المتلاحقة إلى منتهاها.
ومن هذا السبيل أمر النيّة في العبادة. فالعبادة منويّة بالنيّة والنيّة منويّة بنفسها. وكذلك نيّة النيّة ونيّة نيّة النيّة إلى حيث يعتبرها الذهن ، لا بنيّة أخرى مبانية لنفسها. فهى بنفسها كأنّها نيّة لأصل العبادة. ولتلك النيّات جميعا على الإجمال باعتبارات متضاعفة. ومن هناك ينحلّ تشكيك أبى حنيفة في نيّة الطّهارة المائيّة. وإن هو إلّا شبهة نيّة الورود على اشتراط مطلق العبادة بالنيّة.
وممّا يجرى هذا المجرى من وجه آخر أمر اللّزومات المتضاعفة لا إلى نهاية ، في لزوم شيء لشيء. ومرّ الحقّ وكنه الأمر فيه ما أوردناه في كتابنا «الأفق المبين».
وممّا في هذا السبيل أمر الحركة الإراديّة في المسافة القابلة للانقسام لا إلى نهاية ، إذ هناك إرادة وحدانيّة إجماليّة إزاء لوحدة المسافة المتصلة منحلّة في لحاظ العقل إلى إرادات متعدّدة حسب انقسام تلك المسافة الى إجزائها الوهميّة المقداريّة.
فإن أزعج سرّك أنّه وإن استتبّ القول واستقام الكلام حينئذ في توسيط اختيار العبد ، لكن بقى الإعضال في أمر استحقاقه المثوبات والعقوبات الوارد لها الوعد والوعيد في التنزيلات الكريمة الإلهيّة والأحاديث الشريفة النبويّة ، فإنّ فعله وإن كان مترتّبا على إرادته إلّا أنّ إرادته للفعل وإرادته لإرادة الفعل وإرادته لإرادة الإرادة ، وهلمّ جرّا في تمادى الاعتبار إلى لا نهاية واجبة الحصول جميعا ، لا منه ، بل من تلقاء مبدأ آخر ، فمن أين له استحقاق المثوبة والعقوبة؟