لا العدديّة ، كما يظنّه الأتباع والمقلّدون. أليس براهين استحالة التسلسل ـ ولقد أوردناها في كتاب «تقويم الإيمان» ـ قد أحالت اللّانهاية العدديّة على التصاعد في قبال العلل وأصنافها مطلقا ، سواء عليها أكانت في الأعيان أم في الذهن ، وأ كانت في الوجود الزمانىّ أم في الوجود الدهريّ جميعا.
على أنّ هناك تبيانا آخر من جهة لزوم الاجتماع في آن واحد معا قد حققناه في كتاب «خلسة الملكوت» ، وأورده أيضا شريكنا السالف في ثانى سادسة إلهيّات «الشفاء» فقال : «ولا نمنع أن تكون علل معينة ومعدّة بلا نهاية ، بعضها قبل بعض ، بل ذلك واجب ضرورة ، لأنّ كلّ حادث فقد وجب بعد ما لم يجب ، لوجوب علّته حينئذ ، كما بيّنّا. وعلّته ما كان أيضا فوجبت ، فيجب ، في الأمور الجزئيّة أن تكون الأمور المتقدّمة التي بها يجب في العلل الموجودة بالفعل ، أن تصير عللا لها بالفعل أمورا بلا نهاية. ولذلك لا يقف فيها سؤال «لم» البتة.
ولكنّ الإشكال هاهنا في شيء ، وهو أنّ هذه التي بلا نهاية لا يخلو : إمّا أن يوجد كلّ واحد منها آنا ، فتتوالى آنات متشافعة ليس بينها زمان ، وهذا محال ؛ وإمّا أن يبقى زمانا ، فيجب أن يكون إيجابها في كلّ ذلك الزمان لا في طرف منه ، ويكون المعنى الموجب لإيجابها أيضا معها في ذلك الزمان ، ويكون الكلام في إيجاب إيجابها كالكلام فيه ، وتحصل علل بلا نهاية معا.
وهذا هو الذي نحن في منعه ، فنقول : إنّه لو لا الحركة لوجب هذا الإشكال ، إلّا أنّ الحركة تبقى الشيء الواحد لا على حالة واحدة ، ولا يكون ما يتجدّد من حالة في آن بعد آن بمشافعة ومماسّة ، بل كذلك على الاتصال ، فتكون ذات العلّة غير موجبة لوجود المعلول، بل لكونها على نسبة ما ، وتلك النسبة تكون علّتها الحركة ، أو شريكة علّتها ، أو التي به العلّة علّة بالفعل الحركة ، فتكون العلّة حينئذ لا ثابتة الوجود على حالة واحدة ولا باطلة الوجود حادثته في آن واحد. فباضطرار إذن تكون العلّة الحافظة أو المشاركة لنظام هذه العلل الّتي بسببها تنحلّ الإشكالات هي الحركة. وسنوضح هذا في موضعه إيضاحا أشفى من هذا» (ص ٢٦٥). انتهى قوله بأليفاظه.