الله ولا على الله ، ويزعمون أنّ كلّ ما يفعله الله أو يأمر به فإنّه يصير حسنا ، لا أنّ كل ما هو خير وحسن في نفسه أو بالقياس إلى نظام الوجود فإنّ الله سبحانه يفعله أو يأمر به بجوده ورحمته وعلمه وحكمته.
وفي ما أخرجت بالرواية من أحاديث أئمّتك الطاهرين أنوار العلم والحكمة وأصحاب الوحى والعصمة ، صلوات الله وتسليماته عليهم أجمعين ، نصوص ناطقة بإطلاق القدريّة على المفوضة المسندين حركات العباد وأفاعيلهم إلى قدرة العبد وإرادته على الاستبداد والاستقلال من غير افتياق في الوجود إلى القيّوم الواجب بالذّات ، جلّ سلطانه ، ولا استناد لها بأخرة إلى قدرته ومشيّته وقضائه وقدره تعالى شأنه.
فيقال لك : كان حقا علينا ما تلونا عليك من الحكم ، فالقدريّة في ما ورد عن سيّدنا رسول الله ، صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعن مولانا أمير المؤمنين ، صلوات الله وتسليماته عليه ، هم هم ، كما قد أوضحناه من قبل. وأمّا أبو جعفر الباقر وأبو عبد الله الصادق وأبو إبراهيم الكاظم ، عليهم صلوات الله وصلوات ملائكته ، فحيث إنّ في عصورهم كان قد انعقد الاصطلاح من الجماهير وشاع تسمية الذاهبين إلى الجبر والكسب جبريّة. وأصحاب القول بالتفويض وإنكار القضاء والقدر في أفعال العباد قدريّة ، فربما جرى في أحاديثهم ، صلوات الله عليهم ، ابتناء الأمر على الاصطلاح الشائع واللقب الذائع.
والتحقيق : أنّ الفريقين ، وهما الطرفان الناكبان عن الصراط ، يجمعهما مجوس هذه الأمّة كلا منهما من جهة على ما هو المستبين. والفرقة المحقوقة بأصحاب العدل والتوحيد هي الأمّة الوسط. فالفرقتان الحائدتان عن السّبيل يعمّهما جميعا لزوم الاعتراف بكون التحريض والتحذير والأمر والنهى والترغيب والترهيب التي هي من أسباب انبعاث الشوق وتأكّده وعلل اهتزاز العزيمة وإجماعها ، عبثا لغوا ؛ والاستيفاق والاستيزاع والدعاء والمسألة والاستعانة بالله ، سبحانه ، في توفيق الطاعة والعصمة من المعصية وطلب أسباب الرشاد والهداية والاستعاذة به من موجبات الضلال والغواية هدرا ساقطا.
أمّا على الجبر والكسب ، فلأنّ إرادة العبد ممّا لا مدخل له في فعله أصلا ، ولا هي منبعثة إلّا عن إرادة الله سبحانه ، وكلّ شيء فإنّه مستند إلى الإرادة السّبحانيّة فقط