من دون استناد إلى أمر آخر من الأمور غيرها ؛ وأمّا على التفويض ، فلأنّ العبد مستقلّ بإيجاد إرادته من غير أن يكون لها مباد إلّا من تلقائه وأسباب إلّا من جنبه. ويخصّ فرقة الجبر بطلان الثواب والعقاب والشرائع والأديان وإنزال الكتب وإرسال الرسل رأسا. فهل هذا إلّا جادّة الكفر ومقام الجحد ؛ وفرقة التفويض استغناء بعض الممكنات ، أعنى أفعال العباد عن الواجب بالذّات ، ولزوم انسداد باب إثبات الصانع. إذ لو ساغ لجائز ما من الجائزات أن يدخل في الوجود لا من تلقاء الاستناد إلى القيّوم الواجب بالذّات ، جلّ سلطانه ، لساغ ذلك من بدء الأمر.
ثمّ من بعد ما قد قضى البرهان قضاء فصلا أنّ طباع الامكان هو العلّة التامّة للاحتياج إلى الواجب بالذّات ، كيف يتصحّح الدخول في إقليم الوجود من دون انتهاء الفيض إليه واستناد الأمر إلى جنابه ، على ذكره وتعالى جدّه. وهل هذا إلّا طريق الأثنوة وسبيل الاشراك. ومن هناك ما قد ورد وتكرّر عنهم ، صلوات الله عليهم ، في ما رواه الصدوق في جامعه المسند في «التوحيد» وغيره ، من الحكم بأن من يقول بذاك فهو كافر، ومن يقول بذا فهو مشرك.
ولا يتوهّمن إلزام القول بالتشريك على الأمّة الوسط ، لأن ذلك أن يكون المعلول في درجة الاستناد مستندا إلى مبدأين هما إرادة الله وقدرته وقدرة العبد وإرادته جميعا على سبيل الشركة. وليس الأمر كذلك ، بل إنّما هنالك مسبّبات مترتبة على أسباب متسلسلة والأسباب والمسبّبات منتهية الاستناد جميعا في نظامها الجملىّ وفي سلسلتها الطوليّة والعرضيّة معا إلى مبدأ واحد ، هو الله الحقّ سبحانه ، وهو مسبّب الأسباب على الإطلاق من غير سبب.
فهذا ميقات الحقّ ، وعنده تجتمع الآيات المتدافعة وتتوافق الروايات المتعارضة ، وينصرح سرّ «ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن» ، (بحار الأنوار ، ج ٩٤ ، ص ١٩٤). أشهد وأعلم انّ الله على كلّ شيء قدير. وقال الله على لسان عبده : «سمع الله لمن حمده». و «أنّ الله عزوجل عند لسان كلّ قائل ويد كل باسط» (التوحيد ، ص ٣٣٧). ولو اجتمع الخلق على أن ينفعوك ما نفعوك ، إلّا بشيء كتبه الله» ، (عدّة الداعى ، ص ٢٧). [ولو اجتمعوا على أن يضرّوك لم يضرّوك إلّا بشيء كتبه الله