فذلكة الفحص ، على ما قد بزغ لك ، أنّ هنالك مقامات ثلاثة. يجب في كلّ منها تحديد حريم النزاع على حقّه ثمّ تحقيق القول في المتنازع فيه من سبيله.
الأوّل : أنّ أفعال العباد بإرادتهم واختيارهم ، وذلك مستمرّ الصحة في نفس الإرادة أيضا من غير لزوم أشواق مختلفة مترتّبة وإرادات متباينة متسلسلة. بأنّ للنفس الفاعلة بالاختيار عن انبعاث الشوق وتأكّده حالة واحدة إجماليّة يفصّلها العقل بتكرّر الالتفات وتضاعف الاعتبار بالفعل إلى إرادة الفعل ، وإرادة الإرادة ، وإرادة إرادة الإرادة إلى حيث يستطيع إلى أن يعتبر سبيلا على مضاهاة الأمر في العلم بالمعلوم ، والعلم بالعلم بالعلم والعلم ذاهبا في الاعتبار لا إلى نهاية أخيرة يتعين الوقوف عليها بصورة علميّة واحدة. وفي الحركة الاختياريّة على مسافة شخصيّة متصلة صحيحة الانقسام إلى أبعاض انفراضيّة متمادية اللاوقوف يكون حصول تلك الحركة الشخصيّة الاختياريّة في كلّ منها من أسباب حصولها في سائر ما يتلوه بإرادة واحده إجماليّة.
وهذا النظر البالغ قد كان السالفون بأجمعهم عنه في غطاء حتى أنّ بعض شركائنا المعلّمين ، وأعنى به الشيخ أبا نصر محمّد بن محمّد بن الطرخان الفارابىّ في «الفصوص» ، أعضل به الأمر وضاق عليه المحيص عنه ، فسلك بذلك الشكّ مسلك ما يتمسك به ويعوّل عليه في سلوك السبيل من البرهان. فهنا لك التجئوا جميعا إلى تخصيص القاعدة بما عدا الإرادة من الأفعال.
الثاني : أنّ الإرادة المستندة في سلسلة المعلوليّة إلى علل خارجة منتهية الإسناد إلى القدرة القيوميّة الوجوبيّة والإرادة الحقّة الربوبيّة هل هي مجدية في استحقاق الثواب والعقاب أم لا؟ وقد أدريناك أنّه يستتبّ بأصلين ضابطين : أحدهما أنّ الحسن والقبح بالمعنى المتنازع فيه، وهو منشئيّة استحقاق المثوبة واستحقاق العقوبة من لوازم ماهيّات الأعمال والأفعال وذاتيّات خصوصيّاتها لا بصنع فاعل وجعل جاعل. والآخر : أنّ الطبّين الجسمانيّ والروحانىّ سنتهما متفقة ، والترياقات والسّموم العقلانيّة من الملكات والأخلاق والأدوية والأغذية النفسانيّة من النيّات والعزائم والأفعال والأعمال ، على شاكلة الترياقات والسّموم المزاجيّة والأدوية والأغذية البدنيّة ، في أنّه إنّما خواصّها وآثارها بالقياس إلى المباشرين والمتعاطين و