الشاربين والمتناولين ، لا بالقياس إلى الموجد الفيّاض.
الثالث : أنّ إيجاد الشقىّ الذي سوف يختار بسوء استعداده الذاتىّ وانسياق العلل الخارجة المتأدّية إلى انبعاث شوقه وإرادته ما يكون من لوازم قبحه الذاتىّ أن يستجرّ فاعله إلى الوقوع في استحقاق العقوبات الشديدة الإلهيّة التي لا يكاد تطاق صعوباتها هل هو خير أم إنّه معدود من الشرور.
ولقد أريناك سبيل الحقّ فيه أيضا. وسنتلو عليك من ذى قبل بالبرهان إن شاء الله العزيز العليم : أنّه ما فى نظام الوجود إلّا ما هو خير فى النظام الأكمل ، وما في أفاعيل الله سبحانه من شيء إلّا وهو أصلح وأنتم وأحكم وأتقن. فعليك بالفرق بين هذه المقامات وعدم خلط بعضها ببعض وإعطاء كلّ منها مقتضى حقّه والوقوف في حريم كلّ منها على عدم تجاوره حدّه.
فلئن اعتراك الوهم وغشيك الشكّ فقلت : «إنّ من المقترّ في مقرّه أنّ العلّة البعيدة لا يصل أثرها إلى المعلول ، فما خطبكم أيّها الحكماء المتألهون والعلماء الراسخون تقولون بالعلل المتوسّطة والأسباب المترتبة. ثمّ إنّكم تسندون كلّ شيء حتّى المعلولات الأخيرة في سلاسل الوجود الطوليّة والعرضيّة إلى الله الحقّ سبحانه وقدرته الوجوبيّة وعلمه الربوبىّ وإرادته القيّوميّة التي ليست إلّا نفس حيثيّة حقيقته وبحت مرتبة ذاته ، جلّ مجده وعزّ سلطانه.
فاعلمن أنّ من المعلول البعيد ما إنّما فاقته إلى العلّة البعيدة في دخول العلّة المتوسّطة التي هي علّته القريبة بالذّات في دائرة الوجود من تلقائها حتى لو صحّ لها وجود لا من تلقائها لتمّ استغناؤه بالاستناد إليها عنها. فمثل هذا المعلول البعيد لا يصل إليه أثر تلك العلّة البعيدة أصلا ، ولا يكون له استناد إليها إلّا بالعرض. وذلك كما لوازم الماهيّات ، كزوجيّة الأربعة بالنسبة إلى جاعل ماهيّة الملزوم ؛ ومنه ما هو مفتاق الذات في حدّ ذاته إلى العلّة الأولى بالذّات ، لا من جهة استناد العلّة المتوسّطة إليها فقط ، حتّى أنّه لو وجدت العلّة القريبة وسائر المتوسّطات من دونها لم يكن يصحّ للمعلول البعيد بالنظر إلى ذاته أن يدخل في ما يشمّ رائحة التقرّر والوجود أصلا. ومثل هذا المعلول البعيد مستند الذات مفتاق الحقيقة إلى العلّة