نفسى ممتلية نورا ، وهي في البدن [١٦ ب] كهيأتها وهي غير خارجة منه». انتهى كلامه («افلوطين عند العرب» ، ص ٢٢).
واعلم أنّ العلم الإلهيّ ، لصعوبته ، لكونه علما بما وراء المحسوسات والمتوهّمات المألوفة للطبائع الإنسيّة ومحتاجا إلى برهان صحيح وكشف صريح ، ولا يخلو شيء منها عن موانع وشبه ، يعسر على أكثر الخلق التلخّص عنها إلّا من أيّد بروح قدسيّة تريه الأشياء كما هي ، من بين العلوم ، بمزيد احتياج إلى تجريد للعقل وتصفية للفكر وتلطيف للسرّ.
ولذلك قال سقراط : «لا يعلم العلم الإلهيّ إلّا كلّ ذكىّ صبور ، لأنّه لا تجتمع الصّفتان إلّا على النّدرة» [١٧ ظ] ، إذ الذّكاء يكون من ميل مزاج الدّماغ إلى الحرارة ، والصبر يكون من ميله إلى البرودة ، قلّ ما يتفق الاعتدال الّذي يستويان فيه ويقومان به.
وقال أرسطو : «من أراد الحكمة فليستحدث لنفسه فطرة أخرى». وكأنّه أراد بها الإلهيّة ، فإن اشتهيت أن تشفى في صدر الوصال بكأس الكمال من رحيق مختوم ختامه مسك ، فارفض الجسم ومت بالإرادة تحي بالطّبيعة.
وبالجملة ، رفض البدن الّذي هو سجن النور الأسفهبديّ ومحتد [١٧ ب] ظلمة الطّبيعة وأفق غسق الهيولى ومهوى كدورة المزاج وموطن الموت الأبديّ ومعدن النّقص السّرمديّ وزاوية موتان الأرواح وهاوية خسران الأرباح ، واستحقار ملاذّه الخسيسة الحسّية الجسمانيّة الهيولانيّة ؛ إكسير البهجة والسعادة ، وكبريت نور الحياة السّرمديّة ، ورأس مال تجارة الكمال ، وسراج حظيرة البهاء والجمال ، وترياق سمّ الموت ، ومغناطيس قرب نور الأنوار ، جلّت سرادقات عظمته عن اصطكاك أيدى العقول والأفكار ، مع أن [١٨ ظ] ليس غاية الحركة في سفر النّفس للاستكمال ، ولا منتهى المنازل الذي فيه قرار العقل وسكوت النفس واطمينان القلب وراحة البال ؛ بل إنّما وقع في وسط الطريق وهويّته بالنّسبة إلى الغاية ، والمقرّ المستقرّ هو الغيبوبة عن النفس وملاحظة جناب القدس وترك الالتفات إلى ما تنزّه عن الاشتغال به ومهاجرة البجج بزينة الذّات من حيث هي الذّات وإن كان بالحقّ ، فإنّ ذلك أيضا غرور وخيال وبعد ووبال.