الاعتبار معلومات ، لا باعتبار وجودها لمبدئها وحضورها عنده ، وهي بذلك الاعتبار علوم وصور علميّة ، وإن كان وجودها لمبدئها ، أعنى حضورها عنده ، هو بعينه [٢٠٩ ب] وجوداتها في حدود أنفسها. فإهمال الاعتبارات افق اختلال الحكمة. نعم هو يعلم تعاقب تلك المتعاقبات بعضها بالقياس إلى بعض وما يتخلّل بينها من الأزمنة على ما هي عليه. والعلم بالزمانيّات على هذا السبيل علم تعقليّ متعال عن شوائب التغيّرات اللازمة للمعلوم الزمانيّة. فاذن علمه تعالى بجميع الجزئيّات الشخصيّة والمتشخّصات الزمانيّة بهويّاتها وشخصيّاتها علم عقلىّ على نحو ما يحكى عنه الإدراك التعقّلىّ للمعقولات الكلّيّة الغير المتغيّرة من سبيلين.
ونعم ما عبّر به عن المقصود قول بهمنيار في «التحصيل» (ص ٥٧٤) كونه واجب الوجود [٢١٠ ظ] بذاته هو بعينه كونه مبدءا للوازمه ، أى معقولاته. فإذا وصف بأنّه يعقل هذه الأمور ، فإنّه يوصف به ، لأنّه يصدر عنه هذه ، لا لأنّه محلّها ، ولوازم ذاته هي صور معقولاته ، لا على أنّ تلك الصور تصدر عنه فيعقلها ، بل نفس تلك الصور تفيض عنه ، وهي معقولة له. فنفس وجودها عنه نفس معقوليّتها له ، فمعقولاته إذن فعليّة.»
وقول خاتم الحكماء في («شرح الاشارات» ، ج ٣ ، ص ٣٠٦) : «قد علمت أنّ الأوّل تعالى عاقل لذاته من غير تغاير بين ذاته وبين عقله لذاته في الوجود إلّا في اعتبار المعتبرين ، [٢١٠ ب] ، على ما مرّ ؛ وحكمت بأنّ عقله لذاته علّة لعقله لمعلوله الأوّل. فإذا حكمت بكون العلّتين ، أعنى ذاته وعقله لذاته ، شيئا واحدا في الوجود من غير تغاير ، فاحكم بكون المعلولين أيضا ، أعنى المعلول الأوّل وعقل الأوّل تعالى له ، شيئا واحدا في الوجود ، من غير تغاير [يقتضي كون أحدهما مباينا للأوّل والثاني متقررا فيه]. وكما حكمت بكون التغاير في العلّتين اعتباريّا محضا ، فاحكم بكونه في المعلولين كذلك. فإذن وجود المعلول الأوّل هو نفس تعقّل الأوّل إيّاه ، من غير احتياج إلى صورة مستأنفة تحلّ ذات الأوّل ، تعالى عن ذلك.
ثمّ لمّا كانت الجواهر العقليّة تعقل ما ليس بمعلولات لها ، بحصول [٢١١ ظ] صور فيها. وهو تعقل الأوّل الواجب ، ولا موجود إلّا وهو معلول للأوّل الواجب ؛ كانت جميع صور الموجودات الكليّة والجزئيّة ، على ما هي عليه الوجود ، حاصلة فيها. و