التدريج. نعم ، كلّ ما يوجد من ذلك المتصل يتمّ وجوده في الماضى على الاتصال ، كما سبق في ما نقل عن «الشفاء» ، وتستمرّ موجوديّته بعده أيضا على جهة الاتصال. فكلّ ما يخرج من القوّة إلى الفعل متناه أبدا لا يشكّ في ذلك.
وأمّا ما يمكن له بحسب القوّة البحتة أن يخرج من القوّة إلى الفعل ، فيظنّ [٢١٨ ب] أن له لا نهاية وإن كان الخارج منها إليه بالفعل متناهيا. وهو صرف وهم كاذب ، فإنّ ما يوصف باللانهاية ليس في قوله «أن يخرج إلى الفعل». فما يمكن له بحسب القوّة ذلك محكوم عليه بالتناهي قطعا ، إلّا أنّ مرتبة تناهيه غير متعيّنة بالوقوف عند حدّ أخير أصلا ، فإنّما يصحّ أن يسلب عنه التناهى إلى النهاية الأخيرة ، لا تناهي الكميّة بالمعنى الذي له بحسب الحقيقة. فهناك مغالطة باشتراك الاسم ، وقد بسط الشيخ تحقيق ذلك في كتبه ، كالشفاء والنجاة.
فإذن المستقبل الحاضر مع الماضى عند البارى تعالى هو ماله إمكان الفعليّة ، وهو [٢١٩ ظ] متناهي الكميّة ، لا إلى نهاية أخيرة معيّنة.
فإن رجعت : بأنّ ما يوجد من الزمان تدريجا حاضر بماضيه ومستقبله عند البارى تعالى دفعة ، فالحاضر عنده دفعة إمّا متناه عند حدّ معيّن ، وقد فرض خلافه أو غير متناه ، فيجرى فيه حكم البرهان.
قيل لك : هو غير متناه عند حدّ معيّن. وذلك ليس بلا تناه بل أعمّ منه. والسرّ فيه، على ما أدّى إليه الفحص البالغ والبحث الحاسم والنظر السائغ ، هو أنّ المستقبل لمّا كان حادثا زمانيّا كان وجوده في نفسه متوقّفا على ما يتقدّمه من الزمان.
فالبارى تعالى يعلمه قبل حدوثه على أنّه مستقبل [٢١٩ ب] بالنسبة إلى بعض الزمانيّات ، لا بالقياس إليه ، بإحدى مراتب العلم السابقة على وجود المعلوم في نفسه عينا. ثمّ إذا وجد في نفسه عينا حضر بعين وجوده العينىّ عند بارئه.
فكان ذلك بعينه صورة علميّة لبارئه ، لا على أن يتجدّد له في علمه شيء لم يكن يعلمه ، أو يحكم عليه بالحاليّة بالنسبة إليه بل بالنسبة إلى ما يقارنه من الزمانيّات فقط ، ثمّ لا ، يرتفع ذلك الوجود عن الأعيان أصلا ، بل يبقى في وعاء الدهر على وصف المضىّ بالنّسبة إلى من يتأخّر عنه من الزّمانيّات فقط ، لا بالنسبة إلى من يرتفع