فإن فرضنا وجود عشرين حركة تنتهى مع بدايتهما ووجود عشر حركات تنتهى أيضا مع بدايتهما ، لم يصحّ أن يقال : إنّ مطابق الحركتين من ذلك العدم واحد ، بل يجب أن يكون مطابق الحركات العشرين مخالفا لمطابق الحركات العشر ، واللاشيء المطلق ليس فيه اختلاف. وليس الاختلاف بينهما إلّا اختلافا مقداريّا سيّالا ، وهو الزمان ، فيكون قد سبق الزمان الحادث [٢٢٧ ب] والحركة الحادثة زمان ، والزمان مقدار الحركة ، فيكون قد سبق الزمان زمان والحركة حركة ، ولا بدّ من وجود متحرّك مع الحركة ، وقد منعنا أن يكون المفارق الذي لا علاقة له مع المادّة متحرّكا ، فيجب أن يكون المتحرك جسما أو جسمانيّا.
وإن منع أن يكون في قدرة الله تعالى إيجاد حركات قبل بداية الزمان الذي يفرض حادثا والحركة الحادثة فرضا ، كان تحكّما عجيبا ، وتقدير الحركات بذلك العدم فهو مساو لتقدير الخلأ في باب أنّه لا شيء مطلقا ، فعساك تراه بيّن السّخافة على طريقتنا العقلانيّة [٢٢٨ ظ] البرهانيّة من الحكمة اليمانيّة ، فإنّ وجود الحركة مع عدم امتداد زمانىّ من الممتنعات بالذات ، إذ الانطباق على الزمان مأخوذ في المفهوم من طبيعة الحركة.
وكما أنّ المسبوقيّة بالعدم مأخوذ في طبيعة الحدوث فقدم الحادث من حيث هو حادث مستحيل بالذات. والممتنع بالذات ، لا يتعلق به القدرة ، لا لضيق القدرة وقصرها ، بل لنقص ذلك الممتنع بحيث لا يقبل تعلّق القدرة به ، لأنّه ليس في نفسه شيئا حتى يتعلّق به قدرة ، فكذلك وجود الحركة بلا زمان محال ، فلا يمكن إيجاد الحركة [٢٢٨ ب] إلّا مع إيجاد الزمان ، ووراء وجود الزمان ليس إلّا وجود صرف للمبدإ وعدم صرف للزمان. وليس هناك امتداد موهوم ولا مقابله.
وإنّما ذلك بحت حكم الوهم الغلوط الذي هو سوفسطائىّ الحكمة وإبليس الفطرة. وهذا كما أنّ وراء محدّد الجهات ليس ملأ ولا فضاء ، بل عدم صرف. والوهم يغلط فيتوهّم هناك فراغا محدودا وبعدا موهوما. فكما لا يستوجب حكم إبليس الوهم هناك تقدّرا للعدم ، فكذلك لا يستوجب تقدّرا وراء أفق الزمان الذي هو محدّد جهات [٢٢٩ ظ] التقضّى والتجدّد والمضىّ والحاليّة والاستقبال.