قال بقدمه من حيث لا يشعر».
فقد ظهر أنّ اللازم على ذلك التقدير إنّما هو وجود الزمان بعد بحت عدمه الصرف ، لا على أن يكون عدما مستمرّا ، إذ ذلك إنّما يكون من جهة مقارنة الزمان ، أو غير مستمرّ، إذ ذلك إنّما يكون من [٢٢٥ ب] جهة مقارنة الآن.
وحيث يقولون : الزمان لا يتقدمه إلّا بارئه فقط بالذات ، إذ لو كان قد سبقه لا بذاته فقط ، بل بذاته وبالزمان بأن كان وحده ولا زمان ولا حركة. ولا شكّ أنّ لفظة «كان» يدلّ على أمر مضى وليس الآن ، وخصوصا ويعقبه قولك «ثمّ» ، فقد كان كون قد مضى قبل خلق الزمان ، وهو متناه حين ابتداء الزمان ، فقد كان إذن زمان قبل الزمان والحركة ؛ لأنّ الماضى إمّا بذاته ، وهو الزمان ، وإمّا بالزمان وهو الحركة وما فيها ومعها.
والشيخ الرئيس بسط التطويل فيه في طبيعيّات «الشفاء» [٢٢٦ ظ] ، و «النجاة» وإلهياتهما. وقال في «التعليقات» ، الزمان غير محدث ، لأنّه لا يصحّ أن الخالق يتقدم على الزمان بزمان آخر. فإن لم يكن الحدوث بسبب تقدّم الزمان ، بل بسبب تقدّمه بشيء آخر ، فهو شيء لا نعرفه. فلعلّك تقول لهم : البارى يتقدم الزمان بذاته ويصرف وجوده في الواقع وعدم الزمان ووجوده بإيجاد البارى له من غير وصف مضى وامتداد وغير ذلك من أوصاف الزمانيّات.
ومن المستغرب أنّ الشيخ الرئيس ممّن ينزّه وجود البارى تعالى عن ذلك كلّه ، ولم يجعل تقدّمه على كلّ جزء [٢٢٦ ب] حادث من أجزاء الزمان تقدّما بالزمان ، مع أنّ ذلك ليس تقدّما بالذات فقط ، ضرورة أنّ المتقدّم قديم والمتأخّر حادث زمانىّ ، بل يضعه خارجا عن التقدّم الذي يكون لبعض الزمانيّات بالنسبة إلى بعض آخر. ثمّ إنّه لم يستطع عند تحصيل تقدّمه تعالى على مجموع الزمان إلى الحقّ سبيلا.
وأمّا ما تمسّك به الرئيس في طبيعيّات «الشفاء» و «النجاة» وإلهيّاتهما. وفي «التعليقات» أيضا ، من «أنّه إذا فرض الزمان حادثا والحركة حادثة كان الذي يسبقهما ليس لا شيئا مطلقا» ، فإنّه لم ينازع أحد من المتكلمين [٢٢٧ ظ] في أنّه لا يمتنع في قدرة الله تعالى إيجاد حركة أو حركات في ذلك العدم الذي يقولونه تنتهى مع بداية الزمان الحادث والحركة الحادثة.