هو أن ننظر : هل الآن المشترك بين زمانين ، في أحدهما الشيء بحال وفي الآخر بحال أخرى ، قد يخلو الأمر فيه عن الحالين جميعا أو يكون فيه على احدى الحالين دون الأخرى. ومن المعلوم أنّ الشيئين اللّذين هما في قوّة (٢٧١ ب) المتناقضين أو المتقابلين تقابل العدم والملكة يمتنع خلوّ الشيء أو الموضوع القابل عنهما جميعا في ذلك الآن.
ثمّ من الأمور : ما يحصل في آن ، ثمّ تتشابه حاله فى أيّ آن فرض في زمان وجوده ، ولا يحتاج في أن يكون إلى أن يطابق مدّة ، كالمماسّة والتربيع وغير ذلك من الهيئات القارّة المتشابهة الحال في كلّ آن من زمان وجودها ؛ وما كان كذلك ، فالشيء في ذلك الآن الذي هو الفصل المشترك موصوف به.
ومنها : ما يقع وجوده في الزّمان الثاني وحده ، والآن الفاصل بينهما لا يحتمله ، كالحركة التي لا تتشابه حالها في آنات زمان وجودها ، بل يتجدد بحسبها في كلّ آن قرب جديد إلى الغابة وبعد عن المبدأ ، وهي إنّما تحصل بعد الآن الذي هو الفصل المشترك ، أي في جميع الزّمان الذي هو بعده وفي جميع آناته ، وكذلك ما لا يقع إلّا بالحركة ، كاللّامماسّة الّتي هي المفارقة بعد المماسّة. فلمثل هذه الأمور لا يكون أوّل آنات ، التحقّق ، وإلّا : فإمّا أن يتصل ذلك الآن بالذي هو الفصل المشترك ، فيلزم تشافع الآنات ، أو يتخلّل بينهما زمان ، فيلزم خلوّ الشيء في ذلك الزّمان عن الحركة والسّكون والمماسّة واللّامماسّة مثلا.
وبالجملة ، الحركة التوسّطية موجودة قطعا ولا تحصل في الآن الذي هو طرف زمان الحركة القطعيّة ، لأنّه آخر آنات السّكون ؛ وأيضا هو منطبق (٢٧٢ ب) على طرف المسافة الذي هو مبدأها ، فكيف يصدق أنّ المتحرك بحسب وقوعه فيه متوسّط بين مبدأ المسافة ومنتهاها. وبعد ذلك الآن لا يخلو عنها آن من آنات زمان الحركة ولا جزء من أجزائه ، ولا يمكن أن يتلو ذلك الآن آن آخر ، فيقع بين الآنات متشافعة.
فإذن ، هي موجودة في زمان ما وفي كلّ آن من آناته ، وليس لها آن ابتداء الحصول. وكذلك حال ما لا يتمّ حصوله إلّا بالحركة التّوسّطيّة ، ولا يستدعى قدرا معيّنا من الحركة القطعيّة أصلا ، بل يكفي فيه تحقّق حركة ما على أيّ قدر كان.