الوجودات وجودات جوهريّة أو عرضيّة ، لأنّه لا أعمّ من الوجود ، ليصير الوجود الجنس العالى إلّا واحدا ، إذ يكون جميع الأشياء المحصّلة داخلة ، تحت جنس واحد ؛ فيلزم أن يكون جميع الأشياء المحصّلة ، كانواع الجواهر وأجناس الأعراض وأنواعها ، داخلة تحت جنس واحد ؛ فيلزم أن لا يتحصّل المقولات المتباينة بالجنس ، والحال أنّ الجنس العالى إمّا اثنان ، وهو الجوهر والعرض ، أو عشرة ، كما هو المشهور.
وأيضا ، كما كان الوجود مفهوما واحدا مشتركا معنويّا ، ولا يكون لمفهوم الواحد إلّا المعبّر عنه الواحد ، لا المتعدّد ؛ فإذا كان المعبّر عنه بذلك المفهوم الواحد واحدا ، فيلزم أن يتحقّق ذلك المعبّر عنه الواحد أينما ينتزع ذلك المفهوم الواحد ، ولا شكّ أنّ ذلك المفهوم الواحد ينتزع من الواجب ، جلّ شأنه.
وأيضا ، المفروض أنّ المعبّر عنه بذلك المفهوم الواحد هو الجنس الطبيعىّ ، فيلزم أن يتحقق ذلك الجنس الطبيعىّ في الواجب ، جلّ شأنه. وهو أيضا باطل ، لأنّه قد ثبت بالبرهان أنّ الواجب ، جلّ شأنه ، ليس له ماهيّة كليّة أصلا ، لا الماهيّة الكليّة الجنسيّة ولا الماهيّة الكليّة النّوعيّة.
[٢] وأمّا الثّاني ، وهو أن لا يكون المعبّر عنه بمفهوم الوجود كليّا ، بل يكون جزئيّا حقيقيّا متشخّصا بذاته ، فهو باطل أيضا من وجوه :
الأوّل ، أنّ كلّ أمر يكون تشخّصه بذاته ، لا يجوز أن يكون تشخّصه عين ذاته لا معلول ذاته ، وإلّا يلزم أن يكون الشيء علّة لتشخّصه ؛ وذلك باطل ، لأنّ علّة التّشخّص يجب أن تكون متشخّصة في مرتبة العلّة ، فلا بدّ من تشخّص سابق على المعلول. فذلك التّشخّص السّابق إن كان عين اللّاحق يلزم الدّور أو غيره ، فننقل الكلام إليه ، وهكذا ، فيلزم الدّور أو التّسلسل ؛ ولا جزء ذاته ، وإلّا يلزم أن يكون ذلك الجزء متشخّصا بذاته ، لا الشيء الذي يكون ذلك الجزء جزءا منه. فيكون ذلك الشّيء مركّبا من جزءين ، أحدهما متشخّص بذاته ، والآخر غير متشخّص بذاته.
وعلى أىّ تقدير ، فنقول : لا جائز أن يكون شيء من الممكن بحيث يكون التشخّص عين ذاته ، لأنّ كلّ أمر يكون التّشخّص عين ذاته يكون الوجود أيضا عين ذاته ، لأنّ الشيء اذا كان متعيّنا بذاته يكون أمرا متحصّلا كمال التّحصّل في مرتبة ذاته ، لأنّه لا تحصّل أتمّ