الحيوان كيفيّة نفسانيّة مصحّحة للفعل وعدمه ، تعلّقها بالطرفين على السّواء ؛ ومن الواجب تعالى ليست مندرجة تحت إحدى المقولات ، بل هى كون ذات الواجب تعالى بذاته ، بحيث يصحّ عنه صدور الفعل وعدمه ، من دون أن يكون مصداق الحمل هناك قيام عرض به تعالى.
و «الإرادة» صفة تخصّص تعلّق القدرة بأحد طرفي المقدور ، كذا فسّرها المتكلّمون ؛ فقيل : إنّه شوق متأكّد ، وقيل : إنّها مغايرة للشوق ، فإنّها هى الإجماع وتصميم العزم. وربما يفرق بينهما بأنّ الإرادة ميل اختيارىّ والشّوق ميل جبلىّ طبيعىّ.
وقال المحقق الطوسىّ ، رحمهالله ، في «شرح رسالة مسألة العلم» (ص ٤٤) :
«إنّ صحّة الصّدور واللّاصدور هو المسمّى بالقدرة ، وهى لا تكفى في الصّدور إلّا بعد أن يترجّح أحد الجانبين على المسمّى بالإرادة ، والتّرجيح إنّما يكون بالقصد ، وهو المسمّى بالإرادة».
والتّحقيق : أنّ الإرادة في الحيوان كيفيّة نفسانيّة حاصلة عن شوق منبعث عن اعتقاد جلب ملائم للغرض أو منافر في العقل. ومن الواجب تعالى هى كون ذاته تعالى بحيث يخصّص تعلّق القدرة بأحد طرفي المقدور حسب تعلّق عنايته به ، وهى بحسب اصطلاحهم علمه بالنّظام الأكمل.
و «الدّاعى» ، هو المرجّح لتخصيص الإرادة أحد طرفي المقدور لتتعلّق القدرة به ، وهو غير لازم التّحقّق في أفعال الواجب تعالى عند الأشاعرة ، لإمكان ترجيح المختار أحد المتساويين بمحض الإرادة من دون المرجّح.
وممّا لا بدّ منه عند الحكماء والمعتزلة ، بشهادة العقل بامتناع التّرجيح بلا مرجّح مع استلزام التّرجيح بلا مرجّح ، وهو بديهىّ الامتناع عند العقلاء كافّة. لكنّ الحكماء حكموا بأنّ الدّاعى عين ذاته تعالى ، والمعتزلة يقولون بزيادة الدّاعى على ذاته وعلى علمه تعالى. فمنهم من يقول : إنّه مصلحة راجعة إلى شخص من أشخاص الموجودات ، ومنهم من يقول : إنّه ذات الوقت ، ومنهم من يقول بامتناع وجود المعلول من ذلك الوقت ، فتأمّل في ضبط هذا المقام ، فإنّه من مزالّ الأقدام. تمّت بعون الله الملك المتعال.