استدلّ الشّيخ الرّئيس في «الشفاء» على أنّ التّصوّر لا يفيد التّصديق ، بأنّه لو كان هذا الفرد المتصوّر ، سواء كان موجودا أولا ، مفيدا للتّصديق فهو ليس موجبا له ، لأنّ ما لا يختلف حال الشّيء بوجوده وعدمه فهو ليس علّة له ؛ وإن كان لوجوده مدخل في الإفادة ، فلا يكون مفردا ، بل قضيّة.
وأقول : فيه بحث : أمّا أوّلا ، فلأنّه منقوض بإفادته التّصوّر ، فإنّ المقدّمات جارية فيها ؛ وأمّا ثانيا ، فلأنا نقول : هذا المفرد بوجوده الذّهنىّ ربما يفيد التّصديق من غير أن يصدق بوجوده ، كما في إفادته التّصوّر بعينه ، فظهر أنّ ما ذكره مغالطة .. ومثل ذلك غريب عن مثله» ، انتهى ما ذكره في هذه المسألة بعبارته.
وأذعن بعض المدققين ممّن تأخّر عنه بقوّة هذين الإيرادين وورود هما على الرّئيس ، بل على قاطبة المحققين المستدلّين على القاعدة المذكورة بهذا الدّليل.
والأستاذ غوث الحكماء لم يذكر في شرح تلك الرّسالة وجها لدفعهما أصلا. وبالجملة لم يصل إلى إلى الآن من أحد من الفضلاء شيء في الجواب عنهما.
أقول : وضعفهما ظاهر ، فإنّ التّصديق إذعان بثبوت المحمول للموضوع أو سلبه عنه ، وحقيّة النّسبة الإيجابيّة أو السّلبيّة بينهما بحسب الواقع وفي حدّ نفسها ، مع قطع النّظر عن خصوص الوجود الذّهنىّ التّصوّرىّ.
فإنّا إذا قلنا ، مثلا : «زيد قائم» ، كان التّصديق هناك إذعان تحقّق النّسبة الإيجابيّة بين الموضوع والمحمول في حدّ نفسها ، مع قطع النّظر عن وجودها الذّهنىّ التّصوّرىّ ، لا إذعان تحقّق النّسبة في الوجود الذّهنىّ التّصوّرىّ فقط ، حتى يكون مفاد الحكم أنّ تلك النّسبة الإيجابيّة متصوّرة. إذ ذاك ليس تصديقا بقيام زيد ، بل بأنّ قضيّة «زيد قائم» متصوّرة ، والقضيّة حينئذ قولنا «قضيّة زيد قائم متصوّرة» ، لا قولنا : «زيد قائم».
ثمّ التّصديق حينئذ إذعان تحقّق النّسبة الإيحابيّة بين قولنا «قضيّة زيد قائم» وبين قولنا : «متصوّرة» في حدّ نفسها ، لا بحسب الوجود الذّهنىّ التّصوّرىّ فقط ، إذ ذاك أيضا ليس تصديقا بتحقّق تلك النّسبة الإيجابيّة ، بل يكون قولنا «قضيّة زيد قائم متصوّرة» متصوّرا.