والحكماء تفصّوا عن الأوّل : بأنّه إنّما يلزم التخلّف الزّمانىّ عن العلّة التّامة الزّمانيّة أو التّسلسل المستحيل لو لم يكن فى علل حدوث الحوادث الزّمانىّ فى الزّمان ماهيّة التّصرّم والتّجدّد والحدوث والزّوال ، وهو الحركة ، فلا حدوث فى الزّمان لو لا الحركة ، ولا تسلسل هناك إلّا على سبيل اللّانهاية اللّايقفيّة دون اللّانهاية العدديّة.
وعن الثاني : بأنّ الحوادث غير تامّة القوّة على قبول الوجود الأزلىّ. فكون الكائن بعد اللاكون فى متن الدّهر مقتضى ذات الكائن ، وليس هو من تلقاء الفاعل ، إنّما من تلقاء الفاعل وجود الحادث وأمّا كونه بعد العدم الدّهرىّ فمن تلقاء جوهر ذاته ، لقصور طباعه عن احتمال الأزليّة.
فإذن ، التخلّف الدّهرىّ هنالك من طباع جوهر ذات المعلول ، لا من تلقاء تسويف العلّة فى الإفاضة ، كما تخلّف المعلول عن مرتبة ذات العلّة من نقصان جوهر المعلول وقاصريّته عن قبول الوجود فى تلك المرتبة.
وتفصيل القول فى المقامين خيرة «الشفاء» والكتب التي فى مرتبته ، ومحزّ حقّ التّحقيق ضمانه على ذمّة صحفنا وكتبنا الحكميّة البرهانيّة. فإذن ، قد استبان أنّ المحشّى خلط أحد المقامين بالآخر ، وحرّف كلّا منهما عن موضعه ، فليعلم.
قوله : «وفى هذا الدّليل سرّ ، تأمّل فيه ، إن كنت ذا شوق».
وهو أنّ ما سوى الله تعالى من الممكنات ليس لها وجود ، بل هى منسوبة إلى حضرة الوجود ، لأنّ الوجود ليس بعارض لها ولا قائم بها ولا بماهيّتها ، بل مصداق حمل الموجود عليها مجرّد انتسابها إلى الوجود ، كما أنّ الحدّاد هو من ينتسب إلى الحديد ، وذلك هو مصداق حمل الحدّاد عليه ، لا من يقوم به الحديد ، هذا هو ذوق المتألّهين من الحكماء.
ومذاق الصوفيّة أعلى من ذلك ، فانّهم يرون أن الحقيقة الممكنة لا يطلق عليها الموجود أصلا ، بل إنّما الممكنات مظاهر للحقيقة القدسيّة الواجبيّة ، ونسبتها إلى تلك الحضرة كنسبة الأمواج إلى البحر ، والأشعّة إلى النّور ، والتّعيّنات إلى الطبائع الكليّة.
ثمّ إذا لوحظ أنّ الظّهور الحقّ إنّما هو الوجود ، وليس الوجود إلّا الموجود الحقّ الأوّل ، تعالى شأنه ، فليس الظّهور إلّا له. فالظاهر الحقّ هو الله سبحانه ، وإنّما المخفيّ ما عدا ذاته تعالى.
فإذا هو خفىّ من فرط الظّهور ، ونسبته إلى عقول العقلاء فى الخفاء من شدّة