باع طويل من صراحة الغريزة الواقدة ، فما ألقيت إلى ذهنه من غامضات هي مهمّات العقول لم ين وسع قريحته في حمل أعبائه ، وما أفرغت على قلبه من عويصات هي متيّمات الفحول لم يعى وجد شكيمته بأخذ أضنائه ، ولقد ناء بنيل ما تاهت في مهامه سبله المدارك ، وما فاه إلّا بما أماهه العقل الصّريح الحائر بالمسالك والمعارك.
وقد قرأ علي ما قد قرأ في العلوم العقليّة من تصانيف الشّركاء الّذين سبقونا برياسة الصّناعة قراءة يعبأ بها ، لا قراءة لا يؤبه لها ، الفنّ الثّالث عشر من كتاب «الشفاء» وهو الإلهيّ منه ، أعني حكمة ما فوق الطّبيعة. وهو اليوم مشتغل بقراءة فنّ قاطيغورياس منه ، وأخذ سماعا ، في من يقرأ ويسمع ، النّمطين الأوّل والثالث من كتاب «الإرشادات والتنبيهات» للشيخ الرئيس ، ضوعف قدره ، وشرحه لخاتم المحققين ، نوّر سرّه ؛ ومن كتبى وصحفي كتاب «الأفق المبين» الّذي هو دستور الحقّ وفرجار اليقين ، وكتاب «الإيماضات والتشريفات» الّذي هو «الصحيفة الملكوتيّة» ، وكتاب «التّقديسات» الّذي فيه في سبيل التمجيد والتوحيد آيات بيّنات ، كلّ ذلك قراءة فاحصة واستفادة باحثة ؛ وفى العلوم الشّرعيّة كتاب الطهارة من كتاب «قواعد الأحكام» لشيخنا العلّامة ، جمال الملّة والدّين الحليّ ، وشرحه لجدّي الإمام المحقق القمقام ، أعلى الله مقامهما ؛ وطرفا من «الكشّاف» للإمام العلّامة الزّمخشريّ ، وحاشيته الشّريفة الشّريفيّة. وهو مشتغل هذه الأوان بقواعد شيخنا المحقّق الشّهيد ، قدّس الله لطيفه. وإنّي أجزت له أن يروي عنّى جميع ذلك لمن شاء وأحبّ ، متحفّظا محتاطا على مراعاة الشّروط المعتبرة عند أرباب الدّراية والرّواية.
وأوصيه ، أوّلا ، بتقوى الله سبحانه وخشيته في السّر والعلن ، إنّ تقوى القلب أعظم مقاليد تأهّب السّرّ لاصطباب الفيوض الإلهيّة ، والاستضاءة بالأنوار العقليّة القدسيّة. وليكن مستديما لاستذكار قول مولانا الصّادق جعفر بن محمد الباقر ، عليهماالسلام : «استحي من الله بقدر قربه منك ، وخفه بقدر قدرته عليك» ، مواظبا على الإلظاظ بالأدعية والأذكار ، والإكثار من تلاوة القرآن الكريم ، ولا سيّما سورة التّوحيد ، الّتي مثلها منه ومكانتها فيه مثل القرآن النّاطق أمير المؤمنين على بن أبى طالب ، عليه صلوات الله التّامّات ، من كتاب الوجود ، ومكانته فيه ؛ فمهما استحكمت علاقة عالم التّحميد والتّسبيح ، أوشك أن ترسخ ملكة رفض السّجن الجسدانيّ ونضو الجلباب الهيولانيّ.
وثانيا ، بصون أسرار عالم القدس الّتي مستودعها كتبي وكلماتي عمّن أخفرني وخرج عن ذمامي في عهد سبق لي ووصيّة سلفت منّي في كتاب «الصّراط