عنها تلك الجزئيّات ، ولتلك الأسباب أسباب حتى تنتهى إلى ذات الأوّل ، وهو يعلم ذاته ويعلمه سببا للموجودات ويعلم ما يلزم عن ذاته وما يلزم عن لازمه ، وكذلك هلمّ جرّا حتى ينتهى إلى الجزئىّ ، فإنّه يعلمه ، لكن يعلمه بعلله وأسبابه».
ثمّ قال (ص ٢٩) : «ويعلم الأشياء [١٤٧ ب] الغير المتناهية على ما هى عليه من اللاتناهى بأسبابها ، ويعلم الزمان الغير الثابت الذي يتقضّى شيئا فشيئا بعلله وأسبابه». ثمّ قال : «فيكون علمه محيطا بجميع الأشياء ، فلا يكون لعلمه تغيّر ، فإنّ معلومه لا يتغيّر».
ثمّ قال : «فلا تخفى عليه خافية.» ، وقال : و «هو يعلم الأشياء الغير المتناهية ، فعلمه غير متناه. وقد يتشكّك فيقال : إنّ تلك الأشياء غير موجودة بالفعل ، بل بالقوّة. فبعض علمه يكون بالقوّة أو يكون لا يعلمها. فيقال : إنّ كلّ شيء فإنّه واجب بسببه وبالإضافة إليه ، فيكون موجودا بالفعل وبالإضافة إليه. فسبب وجود كلّ موجود هو أنّه [١٤٨ ظ] يعلمه. فإذا علمه قد حصل وجوده ، فهو يعلم الأشياء دائما».
ثمّ قال : «الأسباب كلّها عند الأوائل واجبات ، وليس هناك إمكان البتة. وإذا كان شيء لم يكن في وقت فإنّما يكون ذلك من جهة القابل ، لا من جهة الفاعل ، فإنّه كلّما حدث استعداد من المادّة حدثت فيها صورة من هناك ، إذ ليس هناك منع ولا بخل. فالأشياء كلّها واجبات هناك لا تحدث وقتا وتمتنع وقتا ، ولا تكون هناك كما تكون عندنا. وقد يتشكك فيقال : إذن ، الأفعال كلها طبيعيّة لا إراديّة. والجواب : أنّ إرادتها على هذا الوجه ، إذ هو دائم الفيض [١٤٨ ب] فالامتناع من جهة القابل».
وقال فيه : أيضا (ص ٦٦) «علم الأوّل من ذاته ، وذاته سبب للأشياء كلّها على ترتيبها. فعلمه بالأشياء هو نفس وجودها ، فهو يعلم الأشياء التي لم توجد بعد ، على أنّها لم توجد بعد ، ويعرف أوقاتها وأزمنتها ولوازمها. وإذا وجدت تلك الأشياء لم يتجدد علمه بها ، فيستفيد من وجودها علما مستأنفا».
ثمّ قال : بعد أن حقق أنّه تعالى يعلم أشخاص الزمان وأشخاص كلّ شيء والأزمنة التي بينها علما بسيطا (ص ٦٦). و «كذلك أحوال كلّ شخص وأفعاله وتغيّراته واختلافات الأحوال به وعدمه وأسباب عدمه على الوجه الكلّىّ ، أعنى الذي لا يتغيّر