«إنّ ممّا يظنّ بأرسطوطاليس أنّه يرى أنّ العالم قديم ، وبأفلاطون على خلاف رأيه وأنّه كان يرى أنّ العالم محدث. فأقول [٢٤٩ ظ] : إنّ الذي دعى هؤلاء إلى هذا الظنّ القبيح المستنكر بأرسطاطاليس الحكيم ، هو ما قاله في كتاب «طوبيقا» إنّه قد توجد قضيّة واحدة بعينها ، يمكن أن يؤتى على كلا طرفيها بقياس من مقدّمات ذائعة ، مثال ذلك : «هل العالم قديم أم ليس بقديم».
وقد ذهب على هؤلاء المختلقين ، أمّا أوّلا ، فإنّ الذي يؤتى به على سبيل المثال لا يجرى مجرى الاعتقاد ؛ وأيضا ، فإنّ غرض أرسطوطاليس في كتاب «طوبيقا» ليس هو بيان أمر العالم ، لكنّ غرضه بيان أمر القياسات المتركّبة من المقدّمات الذائعة ، وكان قد [٢٤٩ ب] وجد أهل زمانه يتناظرون في أمر العالم : «هل قديم أم محدث» ، كما كانوا يتناظرون في اللّذة : «هل خير أم شر» ، وكانوا يأتون على كلا الطرفين من كلّ مسألة منهما بقياسات ذائعة. وقد بيّن أرسطاطاليس في ذلك وفي غيره من كتبه : أنّ المقدّمة المشهورة لا يراعى فيها الصدق والكذب ، لأنّ المشهور ربّما كان كاذبا ، ولا يطرح لكذبه. وربّما كان صادقا ، فيستعمل ، لشهرته في الجدل ، ولصدقه في البرهان. فظاهر أنّه لا يمكن أن ينسب إليه الاعتقاد بأنّ «العالم قديم» ، بهذا المثال الذي أتى به في هذا الكتاب.»
«وممّا [٢٥٠ ظ] دعاهم إلى ذلك الظنّ أيضا ما يذكره في كتاب «السماء والعالم» : أنّ «الكلّ ليس له بدء زمانيّ» ، فيظنّون عند ذلك : أنّه يقول بقدم العالم. وليس الشيء كذلك ، إذ قد تقدّم فبيّن في ذلك الكتاب وفي غيره من الكتب الطبيعيّة والإلهيّة : أنّ الزمان إنّما هو عدد حركة الفلك ، وعنه يحدث ، وما يحدث عن الشيء لا يشمل ذلك الشيء. ومعنى قوله : «إنّ العالم ليس له بدء زمانىّ» ، أنّه لم يتكوّن أوّلا فأولا ، بأجزائه ، كما يتكوّن البيت مثلا ، أو الحيوان الذي يتكوّن أوّلا بأجزائه ، فإنّ أجزاءه يتقدّم بعضها [٢٥٠ ب] بعضا بالزّمان والزّمان حادث عن حركة الفلك. فمحال أن يكون لحدوثه بدء زمانىّ. ويصحّ بذلك أنّه إنّما يكون عن إبداع البارى ، جلّ جلاله ، إيّاه دفعة بلا زمان ، وعن حركته حدث الزمان.»
«ومن نظر في أقاويله في كتابه المعروف ب «أثولوجيا» لم يشتبه عليه أمره في