إثباته الصّانع المبدع لهذا العالم ، فإنّ الأمر في تلك الأقاويل أظهر من أن يخفى. وهناك تبيّن أنّ الهيولى أبدعها البارى ، جلّ ثناءه ، لا عن شيء ؛ وأنّها تجسّمت عن البارى ، سبحانه ، وعن إرادته ؛ ثمّ ترتّبت. وقد بيّن أيضا [٢٥١ ظ] في «السماع الطبيعى» : أنّ الكلّ لا يمكن أن يكون حدوثه بالبخت والاتفاق ؛ وكذلك في العالم جملة. يقول في كتاب «السماء والعالم» : «ويستدلّ على ذلك بالنظام البديع الذي يوجد لأجزاء العالم بعضها مع بعض». وقد بيّن هناك أمر العلل ، كم هي ، وأثبت العلّة الفاعلة ؛ وقد بيّن هناك أيضا أمر المكوّن والمحرّك ، وأنّه غير المكوّن والمتحرّك.»
وكما أنّ أفلاطون في كتابه المعروف ب «طيماوس» بيّن أنّ كلّ مكوّن فإنّما يكون عن علّة مكوّنة له اضطرارا ، وأنّ المكوّن لا يكون علّة لكون ذاته ؛ كذلك أرسطاطاليس بيّن في كتاب «أثولوجيا» : «أنّ الواحد موجود [٢٥١ ب] في كلّ كثرة» ، ثمّ بيّن أنّ الواحد الحقّ هو الذي أفاد سائر الموجودات الواحديّة. ثمّ بيّن : أنّ الكثير بعد الواحد لا محالة ، وأنّ الواحد تقدّم الكثير. ثمّ بيّن أنّ كلّ كثرة تقرب من الواحد الحقّ ، كان أقلّ كثرة ممّا يبعد عنه ؛ وكذلك بالعكس. ثمّ ترقّى بعد تقديمه هذه المقدّمات إلى القول في أجزاء العالم الجسمانيّة والروحانيّة ؛ وبيّن بيانا شافيا أنها كلّها حدثت عن إبداع البارى لها ، وأنّه ، عزوجل ، هو العلّة الفاعلة ، الواحد الحقّ ومبدع كلّ شيء ، على حسب ما بيّنه أفلاطن في كتبه في الرّبوبيّة ، مثل «طيماوس» و «بوطيقا» وغير ذلك [٢٥٢ ظ] من سائر أقاويله.»
«وأيضا ، فإنّ «حروف أرسطاطاليس في ما بعد الطبيعة» إنّما يترقى فيها من المقدّمات الضروريّة البرهانيّة إلى أن يبيّن وحدانيّة البارى ، جلّ وعزّ ، في «حرف اللّام» ، ثمّ ينحدر راجعا في بيان صحّة ما قدّمه من تلك المقدّمات إلى أن يستوفيها. وذلك ممّا لا يعلم أنّه يسبقه إليه من قبله ، ولم يلحقه من بعده إلى يومنا هذا. فهل يظنّ بمن هذا سبيله أنّه يعتقد نفى الصّانع وقدم العالم؟»
«ولأمونيوس رسالة مفردة في ذكر أقاويل هذين الحكيمين في إثبات الصّانع ، استغنينا ، لشهرتها ، [٢٥٢ ب] عن إحضارنا إيّاها في هذا الموضع.»
«ولو لا أنّ هذا الطريق الذي نسلكه في هذه المقالة هو الطريق الأوسط ، فمتى ما