نكبّناه كنّا كمن ينهى عن خلق ويأتى بمثله ، لأفرطنا في القول وبيّنا أنّه ليس لأحد من أهل المذاهب والنحل والشرائع وسائر الطرائق ، من العلم بحدوث العالم واثبات الصّانع وتلخيص أمر الإبداع ، ما لأرسطاطاليس ، وقبله لأفلاطون ، ولمن يسلك سبيلهما» «ولو لا ما أنقذ الله أهل العقول والأذهان بهذين الحكيمين ومن سلك سبيلهما ممّن أوضحوا أمر الإبداع بحجج واضحة [٢٥٣ ظ] مقنعة ، ـ وإنّه إيجاد الشيء لا من شيء ، وأنّ كلّ ما يتكوّن عن شيء ما ، فإنّه يفسد لا محالة ، إلى ذلك الشيء ، والعالم مبدع من غير شيء ، فمآله إلى غير شيء ، في ما شاكل ذلك من الدلائل والحجج والبراهين التي توجد كتبهما مملوّة منها ، وخصوصا ما لهما في الربوبيّة وفي مبادى الطبيعة ؛ ـ لكان النّاس في حيرة ، فطرق البراهين الحقيقيّة مستفادة من عند الفلاسفة الذين تقدّمهم هذان الحكيمان ، أعنى أفلاطون وأرسطوطاليس.»
«وأمّا طرق البراهين المقنعة المستقيمة العجيبة النفع فمستفادة [٢٥٣ ب] من عند أصحاب الشرائع الذين عوضدوا بأنواع الوحى والالهامات. ومن كان هذا سبيله ومحلّه من إيضاح الحجج وإقامة البراهين على وحدانيّة الصانع الحقّ ، وكان لأقاويله في كيفيّة الإبداع وتلخيص معناه ما لأقاويل هذين الحكيمين ، فمن المستنكر أن يظنّ بهما فساد يعترى ما يعتقدانه ، وأنّ رأييهما مدخولان في ما يسلكانه» ، انتهى قول المعلّم الثاني للحكمة بألفاظه [بتفاوت وتلخيص في العبارات].
والذي أنا أراه ، هو أنّ كلام هذا الحكيم المبرّز يشبه أن يكون ممّا يحوج صرفىّ القوّة الفطريّة [٢٥٤ ظ] إلى نقده ، فالذى ذكر ـ من اتّفاق الحكيمين على أنّ العالم ليس له بدء زمانىّ ، يعنى : لم يتقدّمه زمان ـ فذلك حقّ لا يسع ذا قسط صالح من الحكمة أنّ يستنكره ويتعدّاه. ثمّ يتصوّر بعد ، هناك ، افتراق من جهة القول : بأنّ ما ليس له بدء زمانىّ من العالم ، له بدء غير زمانىّ من تلقاء المسبوقيّة بالعدم في الأعيان ، على سياق معنى حصّلته من الحدوث الدّهريّ ، لا من تلقاء المسبوقيّة بذات الفاعل فقط ، والتأخّر عن العدم بالذات لا غير ، على ما هو شأن الحدوث الذاتىّ أو عدم القول [٢٥٤ ب] بذلك القول ، بل الاقتصار على المسبوقيّة بالعدم من تلقاء الحدوث الذاتىّ فقط.
فإن أراد : «أنّ المعلّم أرسطاطاليس لا يقتصر في حدوث العالم على الأخير ، بل