يذهب إلى الحدوث الدهريّ أيضا ويقنع بالقدم الزمانىّ على معنى أنّه لم يتقدّم الكلّ شطر من الزمان» ؛ فكلام أرسطاطاليس في كتبه ناصّ على أنّه لم يشعر بذلك أصلا. ألم يقل في كتاب «أثولوجيا» من الحرف اللّام ، عند إثبات كون الحركات سرمديّة : «أنّ صدور الفعل عن الحقّ الأوّل إنّما يتأخّر لا بزمان بل بحسب الذات ، والفعل ليس مسبوقا بالعدم ، بل هو مسبوق [٢٥٥ ظ] بذات الفاعل فقط». ثمّ تلامذته وشيعته أطبقوا على ذلك. وكلّ ما استدلّوا به على قدم العالم ناسج على منوال عدم الشعور بذلك المعنى من الحدوث. ولعلّ هذا الحكيم المبرّز أيضا لم يتفطّن لذلك ولم يقصده بقوله هذا.
وإن أراد «أنّ إمام الحكمة أفلاطون ، أيضا لم يدّع إلّا الحدوث الذاتىّ. وإنّما لم يطلق لفظ القدم هناك ، نظرا إلى أنّ كون العالم ليس له بدء زمانىّ ممّا لا يستوجب إطلاق القديم عليه ، مع كونه مسبوقا بالعدم بالذات وبذات الفاعل أيضا ، وكأنّ هذا [٢٥٥ ب] هو الذي عناه». فإنّه ومن في طبقته في التحصيل قلما يستصحّون إطلاق القديم بلا تقييد على المحدث المسبوق بالعدم بالذات.
وكذلك ترى الشيخ الرئيس يقول في «أجوبة المسائل العشر» ، (ص ٨٠) : «كلّ ما تعلّق وجوده فهو مسبوق في ذاته ، وكلّ مسبوق في ذاته فهو غير قديم. اللهمّ إلّا أن يعنى بالقديم ما لم يسبق بزمان. إمّا على الإطلاق وإمّا بالقياس».
ويقول في «الشفاء» و «النجاة» ص ... : «كلّ معلول محدث وليس حدثه إنّما هو في آن في الزمان فقط ، بل هو محدث في جميع الزمان والدهر».
فأقول : إنّ أفلاطون الإلهيّ قد صرّح في كتابه الذي يسمّى «فإذن» وفي كتابه الذي يدعى («طيماوس» ، ٢٥٦ ظ) وبالجملة في أكثر ما وصل إلى من كتبه وكلامه ، أو بلغنى من قبل ناقلى أقواله : بأنّ العالم اوجد بعد ما لم يكن في الأعيان ، بل كان الموجود موجده فقط ، حيث قال بهذا العبارة :
[ص ...] «إنّ للعالم مبدعا محدثا أزليّا واجبا بذاته ، عالما بجميع معلوماته على نعت الأسباب الكلّية ، كان في الأزل ولم يكن في الوجود رسم ولا طلل».
وأحال وجود حوادث لا أوّل لها. لكنّه بيّن امتناع ذلك بما يحوج إلى تدقيق للنظر يخرجه عن الحمل على سياق ما يتكلّفه المتكلّمون ، من شمول حكم كلّ