ومن المباحث المتعلّقة بالزمان : أنّ الزمان ليس بعلّة لشيء من الأشياء ، بل إنّما تتوقف الحوادث على حصص من الحركة التي هي محلّه. فلذلك تختصّ وجوداتها بالأزمنة المعيّنة على مجرّد أن تكون هي ظروفا وأوقاتا [٢٦٢ ظ] لها ، لا على أن تكون هناك عليّة وتسبّب. لكنّه إذا كان الشيء مع استمرار الزمان يوجد أو يعدم ، ولم تر له علّة ظاهرة ، نسب الناس ذلك إلى الزمان ،
إذ لم يجدوا هناك مقارنا غير الزمان أو لم يشعروا به. فإن كان الأمر محمودا مدحوا الزمان ، وإن كان مذموما ذمّوه. لكنّ الأمور الوجوديّة في أكثر الأمر ظاهرة العلل ، والعدم والفساد خفىّ العلّة ، فإنّ سبب البناء معقول ، وسبب الانتقاض والاندراس مجهول في الأكثر.
وكذلك إن شئت استقريت جزئيّات كثيرة ، فيعرض أن يكون أكثر ما ينسب إلى الزمان [٢٦٢ ب] هو من الأمور العدميّة والفساد ، كالنسيان والهرم والانتقاص ووهن المادّة وغير ذلك. فكذلك صار الناس يولعون بذمّ الزمان وهجوه. ولكلّ من تلك الأعدام والفسادات علل وأسباب في عالم الطبيعة. هذا على ظاهر الفلسفة.
وأمّا على ما أدّى إليه الفحص التحقيقىّ ، كما أشرنا إليه ، فشيء من العدميّات لا يستند إلّا إلى علّة عدم علّة الوجود أو عدم علّة استمراره. وكلّ عدم وإن كان طارئا في ظاهر الأمر فهو أزليّ في نفسه ، لأنّه عبارة عن عدم تحقّق الوجود في زمان ذلك العدم ، والوجود غير متحقق في زمان ذلك العدم من الأزل ، إذ الوجود [٢٦٣ ظ] إنّما يتحقق في زمان الوجود ولا يرتفع تحقّقه في ذلك الزمان أصلا ، بل قد لا يستمرّ ، فلا يتحقق الوجود في زمان آخر ، فيبقى الشيء على عدمه الأزلىّ في ذلك الزمان ، لعدم تحقّق ما يستوجب فيضان الوجود فيه عن العلّة ، فينقطع استمرار الوجود بعدم فيضانه ، فيظنّ أنّه قد انقطع الوجود بأن ارتفع وحدث عدم ، وليس كذلك ؛ فكلّ عدم وفساد في اندراس ووهن في المادّة ، فإنّما يكون على ذلك السبيل.
وذلك كلّه على مسلك الحكمة وما يذهب إليه الحكماء. ورهط من المتكلّمين يجعلون الأعدام والفسادات وتخصيصات الوجودات بتأثيرات العلّة [٢٦٣ ب] من قبل خصوصيّات الأوقات.