(٢)
مفهوم الوجود والماهيّة
اعلم أنّ كلّ ممكن ، سواء كان أزليّا أو حادثا ، يكون بالنّظر إلى ذاته لا شيئا صرفا ، فإذا حصل له الشّيئيّة والكون الخارجىّ والحقيقة الخارجيّة المتأصّلة ، فلا يكون ثبوت شيء من تلك الأمور في ذاته مع قطع النّظر عن الغير ، وإلّا يلزم أن يكون واجبا بالذّات وموجودا بالذّات ، فيلزم الانقلاب ، وهو محال بالبديهة.
إذا تمهّد هذا ، فنقول : لا شكّ أنّ السّماء والأرض وغيرهما من الحقائق الخارجيّة لمّا لم يكن لها باعتبار ذاتها حقائق وأمور خارجيّة ، فيكون جميعها أثر الجاعل في الخارج ، فقد تحقّق أثر الجاعل في الخارج.
ولمّا لم يكن بين الحقائق الخارجيّة وبين وجوداتها الخارجيّة اثنينيّة خارجيّة ، لأنّ الوجود الخارجىّ ليس أمرا انضماميّا ، كالسّواد والبياض ، على ما عرفت مشروحا صحفنا الحكميّة ، فبقى احتمالان :
أحدهما : أن يكون أثر الجاعل الحقائق الخارجيّة ، والوجود يكون أمرا انتزاعيّا ، وزيادة الوجود على الماهيّة في الذّهن فقط ، على ما قال المحقق الفريد في «التجريد» ، بقوله : «وزيادته في التّصوّر». وقد بسطنا تحقيق ذلك وحقّقنا الأمر في ذلك في مزبوراتنا حقّ التّحقيق والبسط.
وثانيهما : أن يكون أثر الجاعل نفس الوجودات الخارجيّة ، والماهيّات تكون أمرا انتزاعيّا ، على عكس ما هو التّحقيق. وهذا الاحتمال باطل ، لأنّ المفروض أنّ الماهيّة أمر انتزاعىّ والوجود الممكن أمر متأصّل.
وعلى هذا ، لقائل أن يقول : إنّ الماهيّة التي تكون من الانتزاعيّات لا تخلو من أن تكون شيئا في الخارج ، [أو تكون لا شيئا في الخارج] ؛
فإن كانت شيئا في الخارج يلزم أن يتحقّق الاثنينيّة الخارجيّة من الماهيّة والوجود الخارجىّ ، فيلزم أن يكون الوجود الخارجىّ أمرا انضماميّا ، وقد عرفت أنّه يلزم منها مفاسد كثيرة ، على ما ذكرنا في حاشية «الأفق المبين».