مسألة منهما بقياسات ذائعة. فظاهر أنه لا يمكن أن ينسب إليه الاعتقاد بأنّ العالم قديم ، بهذا المثال الّذي أتى به فى هذا الكتاب.
وممّا دعاهم إلى هذا الظنّ أيضا ما يذكره فى كتاب «السماء والعالم» : «أنّ الكلّ ليس له بدء زمانىّ» ، فيظنّون عند ذلك أنّه يقول بقدم العالم. وليس الأمر كذلك ، إذ قد تقدّم فبيّن فى ذلك الكتاب وغيره من الكتب الطبيعيّة والإلهية ، أنّ الزمان إنما هو عدد حركة الفلك وعنه يحدث ، وما يحدث عن الشيء لا يشمل ذلك الشّيء.
ومعنى قوله : «أنّ العالم ليس له بدء زمانىّ» ، أنّه لم يتكوّن أوّلا فأوّلا بأجزائه ، كما يتكوّن البيت مثلا ، أو الحيوان الّذي يتكوّن أوّلا فأوّلا بأجزائه ، فإنّ أجزاءه يتقدّم بعضها بعضا بالزمان ، والزّمان حادث عن حركة الفلك. فمحال أن يكون لحدوثه بدء زمانىّ. وتصحّح بذلك أنّه إنّما يكون عن إبداع البارئ ، جلّ جلاله ، إيّاه دفعة بلا زمان ، وعن حركته حدث الزّمان» ، (الجمع بين الرأيين ، ص ١٠٠ ـ ١٠١).
فهذا ما أزمع عليه هذا الشّيخ الحكيم الشّريك مجامع همّته وألقى عليه شراشر رويّته وإنّا نحن قد تجشّمنا حكاية عبارته على ما هي عليه بألفاظها وتراتيبها فى كتابنا «الصراط المستقيم» ، وفى غيره من كتبنا.
ثم أوردنا أنّ كلامه ممّا يحوج صيرفىّ القوّة النّظريّة إلى نقده.
فما حكى عن أرسطاطاليس ، من نفى البدء الزّمانىّ عن الكلّ ، فهو أمر مستبين لا يكاد يستنكره أحد من أولى العقل الصّريح ولا يتعداه الحقّ الصّراح. وذلك ممّا عليه اتفاق الحكيمين الإمامين بل الحكماء الأثبات والعقلاء الثّقات جميعا.
ورهط من أبناء سبيل الحقيقة يجرى فى كتبهم وأقاويلهم أنّه قد انعقد إجماع أئمّة الحكمة على قدم العالم. ويعنون بذلك نفى الحدوث الزّمانىّ فى زمان أو فى آن عن الإنسان الكبير الّذي هو جملة نظام العالم ، وإبطال حدوث الكلّ عن عدم ممتدّ زمانىّ يسبق الوجود سبقا مكمّما زمانيّا وعن إحداث تدريجىّ وتكوين بحركة ، كما فى فعل الهيولانيّات وأفاعيلها.
ولا يزيغ عن السبيل ولا يذهب إلى القول بحدوث الكلّ حدوثا زمانيّا كيانيّا فى