نقل عن التعليم الأول :
«أنّ المطلب الجدليّ هو ما قد اختلف فيه فريقان من الفلاسفة واستمرّ فيه التشاجر والتناظر فى ما بينهم ، وبالجملة ما يقع فيه شكّ وهو فى نفسه موضع الشكّ ، إمّا لتقاوم الحجج وتكافئها وإمّا لفقدان الحجج فى الطرفين جميعا ، مثل حال العالم : أهو أزليّ أم ليس؟ وإمّا لبعد الحجج فيه عن الأمر المشهور. وهو ما لا يكون عليه قياس من المشهورات ويكون القياس عليه من الأوّليّات بعيدا ، مثل : أنّه هل زاوية نصف الدائرة قائمة أم لا؟ والأحرى أن يكون ما تبعد حجّته ليس بمطلب جدلىّ ، لأنّ إلى البرهان عليه سبيلا من الأوليّات ، وإن كان بعيدا فهو فى نفسه ليس بموضع الشك» ، (ص ٧٦).
فقد استبان أنّ أزليّة العالم وحدوثه مطلب جدلىّ فى زعم ارسطاطاليس ، لأنه فى نفسه موضع الشّكّ ، على ما قاله فى «التعليم الأول» ، فكيف يكون هذا الكلام منه داعيا إلى أن يظنّ به القول بأزليّة العالم.
ولا أيضا دعى هؤلاء الظانّين بالمعلّم أرسطاطاليس هذا الظنّ إلى ظنّهم هذا ما قاله فى كتاب «السماء والعالم» : «أنّ الكلّ ليس له بدء زمانىّ».
فمن المنصرح للعقل الصّريح الملقّح بلقاح الحكمة : أنّ ذلك إنّما يحيل ، كما ذكره هذا الشّريك الشّيخ المعلّم أن يكون لحدوث الكل بدء زمانىّ من عدم ممتدّ موهوم مستمرّ إلى حين وجود العالم على ما هو الطريقة المعروفة المألوفة للطبائع العاميّة الوهمانيّة والمسلوكة لأمم من الأوائل من متفلسفة الفلسفة المشوّشة النيّة فى العصور اليونانيّة وغيرهم ولجماهير الأواخر من متكلّفة المتوهّمين المنتمين إلى الملّة الحنيفيّة الإسلاميّة ، لا أن يكون حدوث الكلّ من بعد العدم الصّريح الباتّ السّاذج فى متن الواقع وحاقّ الأعيان الخارجة لا بزمان ومكان ولا بامتداد ولا بلا امتداد عن علم البارئ الفعّال ، سبحانه ، وعنايته وإرادته وفعاليّته وإبداعه وإحداثه إياه دفعة دهريّة ، لا بزمان وآن ولا بحركة ورويّة وتفكر وهمامة ، على ما هو مذهب إمام اليونانيّين أفلاطون الإلهيّ ومن ساهمه من أئمّة الحكمة الحقّة السّويّة.
ولكنّهم إنّما دعاهم إلى هذا الظنّ بأرسطاطاليس المعلّم ما قد تكرّر منه فى كتاب