فأمّا على ما هو صريح الحقّ وعليه الحكماء الإلهيّون والمحصّلون من أهل الإسلام : أنّ الملائكة على قبائل ، سفليّة وعلويّة ، أرضيّة وسماويّة ، جسمانيّة وقدسانيّة ، وفي القبائل شعوب وطبقات ، كالقوى المنطبعة والطبائع الجوهريّة ، وأرباب الأنواع والنّفوس المفارقة السّماويّة والجواهر العقليّة القادسة بطبقات أنواعها وأنوارها ، ومنها روح القدس النّازل بالوحى النّافث في أرواح أولى القوّة القدسيّة ، بإذن الله سبحانه.
(وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) [المدثر ، ٣١] ، وفي الحديث عنه ، صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ «أطّت السّماء ، وحقّ لها أن تئطّ ، ما فيها موضع قدم إلّا وفيه ملك ساجد أو راكع» [الدّرّ المنثور ، للسيوطى ، بحار الأنوار ، ج ٥٩ ، ص ١٩٩].
فالأمر غير مستتبّ ، اللهمّ إلّا أن يسمّى ظهورهم العقلانىّ لنفوس الأنبياء ، عليهمالسلام ، نزولا ، تشبيها للهبوط العقلىّ والاعتلاق الرّوحانيّ بالنّزول الحسّىّ والاتصال المكانىّ ، فيكون قولنا : «نزل الملك» استعارة تبعيّة ، وقولنا : «نزل الفرقان» مجازا مرسلا بتبعيّة تلك الاستعارة التبعيّة.
قلت : لا يطمعنّ منّى أحد من النّاس أن أستصحّ ذلك بجهة من الجهات ، وإنّ فيه شقّا لعصا الأمّة بفرقها المفترقة وأحاديثها المتواترة وخرقا للقوانين العقليّة الفلسفيّة ، وفسخا للضوابط المقرّرة البيانيّة. فالأمّة مطبقة على أنّ النبي ، صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يرى جبرئيل وملائكة الله المقرّبين ، عليهمالسلام ، ببصره الجسمانيّ ، ويسمع كلام الله الكريم على لسانهم القدسىّ بسمعه الجسمانيّ ؛ وقوائم الحكمة قائمة بالقسط أنّه إنّما ملاك الرّؤية البشريّة والإبصار الحسّىّ انطباع الصّورة في الحسّ المشترك. وإنّما المبصر المرئىّ بالحقيقة من الشيء الماثل بين يدى الحسّ صورته الذّهنيّة المنطبعة.
وأمّا ذو الصّورة بهويّته العينيّة ومادّته الخارجيّة فمبصر بالعرض ، مرئىّ بالمجاز وإن كان مثوله العينىّ شرطا بالإبصار ، والجليديّتان هما وسيلتا التأدية ، لا لوحا الانطباع ، وعلى هذه السّنّة شاكلة السّمع أيضا ، والإفاضة مطلقا من تلقاء واهب الصّور.
فإذا كانت النّفس واغلة الهمّة في الجنبة الجسدانيّة ، طفيفة الانجذاب إلى صقع