يسمعون الصّوت في اليقظة من سبيل الباطن ، ولكنّهم لا يعاينون شخصا متشبّحا. وفي كتاب الحجّة من كتاب «الكافي» لشيخ الدّين أبى جعفر الكلينىّ ـ رضى الله عنه ـ باب في الفرق بين الرّسول والنبي ، صلىاللهعليهوآله ، والمحدّث ، وأنّ الائمة ، عليهمالسلام ، محدّثون مفهّمون ، [الكافي ، ج ١ ، ص ٢٧٠].
وإذ قد انصرح لك من المسألة من سبيلها ، فقد استبان أنّ قولنا : «نزل الملك» ، مجاز عقلىّ مستعمل طرفاه في معنييهما الحقيقيّين ، والتجوّز فيه في الإسناد ، إذ النزول حقيقة منسوب إلى الصّورة المتشبّحة المتمثّلة ، وقد اسند بالعرض إلى الجوهر المجرّد القدسىّ ، وهو الملك. وليس هو من الاستعارة في شيء أصلا ، كما قولنا : «تحرّك جالس السفينة» ، وقولنا : «أنا متحرّك» و «أنا ساكن» ، وقولنا : «رأيت زيدا» إذا عنينا به شخصه الموجود في الخارج بهويّته العينيّة ، لا صورته الذهنيّة المرئيّة المنطبقة في الحسّ المشترك ، وسائر المقولات في وجود الاتّصافات بالعرض كلّها على هذه الشاكلة.
وأمّا «نزل الفرقان» ، فمجاز مرسل ، لاتّباعه استعارة تبعيّة ، بل من حيث إنّ النازل على الحقيقة محلّه ، وهو تلك الصّورة البشريّة المتشبّحة النّازلة ، أو تجوّز عقلىّ ، لا في شيء من الطرفين بل في الإسناد ، على أنّ الأصوات والحروف والألفاظ ليست أعراضا حالة في لسان المتكلم ، بل هى تقطيعات عارضة للهواء من تلقاء حركة اللّسان.
إن قلت : بنيت الأمر في ما أفدت على القول بالانطباع في باب الرؤية ، فما سبيل القول هنالك على المذهبين الآخرين ، وهما خروج الشّعاع ، أى في فيضانه من المبدأ الفيّاض منبثّا في الهواء المتوسّط بين الجليديّة وسطح المرئىّ على هيئة المخروط وحصول الإضافة الإشراقيّة للنفس المستوجبة للانكشاف الإبصارىّ ما دامت المقابلة بين المرئىّ والجليديّة على ذلك الهيئة.
قلت : لست اكترث لذلك ، إذ إنّما يسمّى ذلك الخلاف وتثليث القول في الموادّ الخارجيّة والرؤية من مسلك الجليديّة ، ومن مذهب الظّاهر ، لا في الإبصار من سبيل الباطن ومذهب الغيب من دون الأخذ من مادّة خارجيّة. ثمّ الآراء الثلاثة متحاذية الأقدام في تطابق اللوازم واتحاد الأحكام ، حذو القذّة بالقذّة ، والسّواد الأعظم على مسلك الانطباع. ويشبه أن يكون الحقّ لا يتعدّاه.