قد رفضت أجاشيب نقمات هذه المدرة الشّوهاء عاطفة قلوبها نحو وجهة مقام الأنس هو ما بمكّة حرم القلب لرفيع كعبة اليقين مطهّرة للطّائفين والعاكفين.
تحرم القوّة النّظريّة بميقات العقل الهيولانيّة ، فتسعى بصفا العقل بالملكة ومروة العقل بالفعل اللّتين هما من شعائر الله لقرع بابه وتطوف بالبيت العتيق لحريم النّظر ، فتنفض عنها هيئات بيداء الوهم في مستجار العقل المستفاد للاتصال بالمعتكفين حول جنابه ، وتفيض القوّة العلميّة من عرفات الطّبائع الجسمانيّة ، فتذكر الله عند المشعر الحرام من ملكة خلع البدن وهي مزدلفة النّفس فيما أراها ربّها من مناسكها العقليّة الرّوعيّة ، وتنحر هدى القوى الجرمانيّة ، فترمى جمار لذّاتها المزاجيّة لتعرف النفس عن غير موجدها بدرجة رفض الجسد ، وهي خيف منى الأنفس فيما اهتدت إليه من مسالكها النّوريّة السطوعيّة.
ثمّ سطيع الصّلوات السّاطعة على نهار أفق الرّسالة ووميض التّحيّات اللّامعة لمدار فلك الجلالة ، أبهر الدّلائل على منهل المربوبيّة وأفضل الوسائل إلى صقع الرّبوبيّة ، فضل بطحاء الجود وشرف يثرب الوجود ، محمّد وآله المعصومين المكرمين ، شموس أفلاك العرفان ونفوس أجساد الإيقان ، ولا سيّما مولود بطن كعبة العصمة وباب مدينة العلم والحكمة ، السّيّد الوصيّ ، نفس النبيّ ، باب أبواب المطالب ، علي بن أبي طالب ، ما سارت الثواقب على مناطق الأدوار ودارت الكواكب على تعاقب اللّيل والنّهار.
وبعد ، فإنّ أضوع مسك تحيّة تفوح من فيحاء رياض القلوب فتتقوت باستنثار روائحها الملأ المستوطنين بمجامع روحاء التّقديس ، وألمع بروق أثنية تلوح في لمعاء أفق الرّوع فتغبط أضواء لوامعها أشباح أقمار النّفوس وشموس العقول ، حين إذ هي من سماء مصاقع السّعادة على سمت رأس صنعاء التثليث والتسديس يخصّ بهما من مفاح هذه السّلطنة المخلّديّة وملمع هذه الدّولة الأبديّة المؤبّديّة سنيّ حضرة من هو من أشرف أرومة الشّعوب مولدا ، وأفضل جراثيم القبائل محتدا ، وأطول الخلق نجادا ، وأرسخ النّاس في المكرمات أوتادا ، الّذي هو لعاتق الجلالة كالسّيف المهنّد ، ولكنان الابّهة كالسّهم المسدّد.
وهو ذو الشّرف البديع والحسب المنيع ، الحائز للسّعادتين النّسبيّة والحسبيّة ،