النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وذلك أنّ المؤلّفة قلوبهم جاءوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ؛ عيينة بن حصين والأقرع بن حابس وذووهم ، فقالوا : يا رسول الله ، إن جلست في صدر المجلس ونحّيت عنّا هؤلاء وروائح صنانهم (١) - وكانت عليهم جباب الصّوف - جلسنا نحن إليك ، وأخذنا عنك ، ولا يمنعنا من الدخول عليك إلّا هؤلاء. فلمّا نزلت الآية قام النبيّ صلىاللهعليهوآله ، يلتمسهم ، فأصابهم في مؤخّر المسجد يذكرون الله عزوجل فقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي معهم المحيا ومعهم الممات (٢) .
عن أبي سعيد الخدري قال : كنت جالسا في عصابة من ضعفاء المهاجرين ، وإنّ بعضهم ليستر بعضا من العري ، وقارئ يقرأ القرآن ، فجاء رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : ماذا كنتم تصنعون ؟ قلنا : يا رسول الله ، كان واحد يقرأ من كتاب الله ونحن نستمع ، فقال : الحمد لله الذي جعل من أمّتي من امرت أن أصبر نفسي معهم. ثمّ جلس وسطنا وقال : أبشروا يا صعاليك (٣) المهاجرين بالنور التامّ يوم القيامة ، تدخلون الجنّة قبل الأغنياء بمقدار خمسين ألف سنة (٤) .
﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ
ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ
بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (٢٩)﴾
ثمّ لمّا علّق الكفّار إيمانهم على طرد فقراء المسلمين ، أمر الله نبيّه صلىاللهعليهوآله بالإعلان بعدم اعتنائه بإيمانهم بقوله : ﴿وَقُلِ﴾ يا محمّد لهؤلاء المتكبّرين الغافلين ﴿الْحَقُ﴾ الذي جئتكم به يكون ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ لا منّي ، ونفعه وضرره راجع إليكم ، لا إليّ ولا إلى آخر ، وأنا لا أدعوكم إليه لأنتفع من إيمانكم حتى اطيعكم فيما تحبّون ﴿فَمَنْ﴾ كان من أهل السّعادة و﴿شاءَ﴾ الإيمان وخير الدّارين ﴿فَلْيُؤْمِنْ﴾ بالدّين الحقّ ، لتماميّة الحجّة ، ووضوح البراهين ﴿وَمَنْ﴾ كان من أهل الشّقاوة و﴿شاءَ﴾ الكفر والضّرر على نفسه ﴿فَلْيَكْفُرْ﴾ فإنّي لا ابالي بإيمان من آمن ، وكفر من كفر ، ولا أطلب إيمانكم بطرد أولياء الله من مجلسي.
ثمّ هدّدهم الله بضرر كفرهم ووخامة عاقبتهم بقوله : ﴿إِنَّا أَعْتَدْنا﴾ وهيّئنا ﴿لِلظَّالِمِينَ﴾ على أنفسهم بالكفر في الآخرة ﴿ناراً﴾ خارجة [ في ] حرّها عن الوصف ، مشتملة عليهم ومحيطة بهم
__________________
(١) الصّنان : النّتن ، الريح الكريهة.
(٢) مجمع البيان ٦ : ٧١٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٤٠.
(٣) الصعلوك : الفقير ، وجمعه : صعاليك.
(٤) تفسير الرازي ٢١ : ١١٨.