الكريم ، فالمقصود الأصليّ من القربان تذكّر المعبود ﴿فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ﴾ ومعبودكم فارد ، ودينكم الإسلام ، وإنّما اختلفت الأحكام لاختلاف الأزمنة والأشخاص في المصالح ، فإذا كان إلهكم واحدا ﴿فَلَهُ أَسْلِمُوا﴾ وانقادوا في جميع أحكامه وتكاليفه ، وتواضعوا له ، وأخلصوا ذكره بحيث لا يشوبه إشراك ﴿وَبَشِّرِ﴾ يا محمّد ، بالثواب العظيم الموحّدين ﴿الْمُخْبِتِينَ﴾ لله المتواضعين له المخلصين في عبادته.
وعن القمي : أي العابدين له (١) .
ثمّ وصف الله سبحانه المخبتين المتواضعين لعظمته بقوله : ﴿الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ﴾ عندهم وتوجّهت إليه أفئدتهم ، ظهرت لهم عظمته ومهابته ، ولذلك ﴿وَجِلَتْ﴾ وارتعدت ﴿قُلُوبُهُمْ﴾ من خشيته وهيبته وخوف عقابة.
ثمّ لمّا كان من آثار خوفه الصبر على المكاره والشّدائد والاجتهاد في عبادته والإنفاق في سبيله ، أردف توصيفهم بالخوف بقوله : ﴿وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ﴾ من المصائب ﴿وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ﴾ التي هي أهمّ العبادات وأفضلها ﴿وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ﴾ وأعطيناهم من الأموال ﴿يُنْفِقُونَ﴾ ويبذلون في سبيله ومرضاته.
﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها
صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ
سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ
التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ
الْمُحْسِنِينَ (٣٦) و (٣٧)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد مدح المؤمنين بالبذل ، حثّهم في إهداء البدنة التي هي أحبّ الأموال عند العرب بقوله : ﴿وَالْبُدْنَ﴾ والإبل ﴿جَعَلْناها﴾ وقرّرنا نحرها ﴿لَكُمْ﴾ بعضا ﴿مِنْ شَعائِرِ اللهِ﴾ ومعالم دينه التي شرّعها مع أنّه (٢)﴿لَكُمْ فِيها خَيْرٌ﴾ ونفع كثير دنيويّ اخرويّ ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها﴾ عند نحرها حال كونها قائمات ﴿صَوافَ﴾ أيديهنّ وأرجلهن ﴿فَإِذا﴾ نحرت و﴿وَجَبَتْ﴾ وسقطت ﴿جُنُوبُها﴾ على الأرض ، وخرجت روحها ﴿فَكُلُوا مِنْها﴾ ندبا ﴿وَأَطْعِمُوا﴾ منها وجوبا الفقير
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٨٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٧٨.
(٢) في النسخة : مع أنّ ، ولا تصحّ من حيث إعراب ( خير ) و( نفع ) .