وقيل : يعني رجعوا إلى أنفسهم فلاموها (١)﴿فَقالُوا﴾ فيما بينهم : ﴿إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ﴾ على أنفسكم بعبادتهم لا من كسرهم ، أو ظالمون على إبراهيم عليهالسلام حيث تزعمون أنّه كسرهم ، مع أنّ الفأس عند الصنم الكبير ، أو الظالمون على أنفسكم حيث سألتم إبراهيم عليهالسلام عن ذلك ، فأخذ يستهزئ بكم في الجواب ﴿ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ﴾ وعادوا إلى ما كانوا عليه من الحمق والمجادلة بعد ما استقاموا بالمراجعة إلى عقولهم.
وقيل : يعني ثمّ قلبوا على رؤوسهم لفرط إطراقهم خجلا وانكسارا بما بهتهم به إبراهيم عليهالسلام ، فما أحاروا جوابا (٢) إلّا أنّهم قالوا : والله ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ﴾ يا إبراهيم ﴿ما هؤُلاءِ﴾ الأصنام ﴿يَنْطِقُونَ﴾ فكيف تأمرنا بالسؤال ، عنهم فاعترفوا بلزوم حجّة إبراهيم عليهالسلام عليهم.
وقيل : يعني قلبوا على رؤوسهم في الحجّة على إبراهيم عليهالسلام ، واحتجّوا عليه بما هو الحجّة له ، لغاية تحيّرهم ، والمراد نكست حجّتهم ، فأقاموا الحجّة عليهم مقام الحجّة لهم (٣) .
﴿قالَ أَ فَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِما
تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ * قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
فاعِلِينَ * قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (٦٦) و (٦٩)﴾
ثمّ ﴿قالَ﴾ إبراهيم عليهالسلام توبيخا عليهم وتبكيتا لهم : ﴿أَ فَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً﴾ إن عبدتموه ﴿وَلا يَضُرُّكُمْ﴾ إن لا تعبدوه ، بل ولو أهنتموه ؟ مع أنّ المعبود لا بدّ أن يكون قادرا على الإنفاع والإضرار ، كي لا تكون عبادته عبثا.
ثمّ لمّا رأى إصرارهم على باطلهم قال تضجّرا منهم : ﴿أُفٍّ لَكُمْ﴾ وقبحا ﴿وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ﴾ من الجمادات الخسيسة ﴿أَ فَلا تَعْقِلُونَ﴾ قبح صنيعكم وشناعة عملكم.
ثمّ لمّا عجزوا عن الغلبة عليه بالحجّة تشاوروا في إهلاكه و﴿قالُوا :﴾ إن أردتم إهلاكه ﴿حَرِّقُوهُ﴾ بالنار ، فإنّه أشدّ العقوبات ﴿وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ﴾ بالانتقام لها ﴿إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ﴾ فعلا في نصرتهم والانتقام لهم.
قيل : إنّ القائل نمرود (٤) . وقيل : إنّه رجل من الكرد ، من أعراب فارس (٥) . وقيل : إنّه رجل اسمه هبرين ، خسف الله به الأرض ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة (٦) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٢ : ١٨٦.
(٢) تفسير الرازي ٢٢ : ١٨٦.
(٣) تفسير الرازي ٢٢ : ١٨٦.
(٤-٦) تفسير الرازي ٢٢ : ١٨٧.