فلما سمع السّحرة تهديده ﴿قالُوا﴾ مجيبين له : ﴿لا ضَيْرَ﴾ فيه علينا ، ولا بأس به ، فإنّا لا نبالي بالموت ﴿إِنَّا إِلى رَبِّنا﴾ بعد الموت ﴿مُنْقَلِبُونَ﴾ وراجعون ، وهذا أقصى منانا ، لأنّه تعالى يكرمنا ويثيبنا أفضل الثواب على إيماننا بالصبر على ما أصابنا في مرضاته.
﴿إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (٥١)﴾
ثمّ نبّهوا على أنّ الكفر ومعارضة النبيّ من أعظم المصائب بقولهم : ﴿إِنَّا نَطْمَعُ﴾ ونرجو ﴿أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا﴾ ومعاصينا من الكفر ومعارضة موسى وغير ذلك لأجل ﴿أَنْ كُنَّا﴾ من بين الناس ، أو الذين حضروا الموقف ، أو اتّبعوا فرعون ﴿أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بالله وبنبوة موسى عليهالسلام.
وعن الصادق عليهالسلام - في رواية - : « فألقى موسى عصاه ، فذابت في الأرض مثل الرّصاص ، ثمّ طلع رأسها ، وفتحت فاها ، ووضعت شدقها العليا على رأس قبة فرعون ، ثمّ دارت وأرخت شفتها السّفلى والتقمت عصيّ السّحرة وحبالهم ، وغلب كلّهم ، وانهزم الناس اجمعون حين رأوها وعظمها وهولها بما لم تر العيون ، ولا وصف الواصفون مثله ، فقتل في الهزيمة من وطء الناس بعضهم بعضا عشرة آلاف رجل وامرأة وصبيّ ، ودارت على قبّة فرعون ، فأحدث هو وهامان في ثيابهما ، وشاب رأسهما (١) من الفزع ، وفر (٢) موسى في الهزيمة مع الناس ، فناداه الله عزوجل : ﴿خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى﴾(٣) فرجع موسى عليهالسلام ولفّ على يده عباءا كانت عليه ، ثمّ أدخل يده في فيها فاذا هي عصاه (٤) كما كانت ، وكان كما قال الله عزوجل ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ﴾ لما رأوا ذلك و﴿قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ* رَبِّ مُوسى وَهارُونَ﴾ فغضب فرعون غضبا شديدا و﴿قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ﴾ يعني موسى ﴿الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾ الآية فقالوا له كما حكى الله عزوجل ﴿لا ضَيْرَ﴾ الآيتان ، فحبس فرعون من آمن بموسى في السجن حتى أنزل الله عزوجل عليهم الطّوفان والجراد والقمّل والضّفادع والدّم ، فأطلق عنهم » (٥) .
وقيل : إنّ اللّعين قطع أيدي السّحرة وأرجلهم من خلاف ، وصلبهم على شاطيء النيل ، وكان موسى ينظر إليهم ويبكي ، فأراه الله منازلهم في الآخرة ، فسلّى قلبه (٦) .
﴿وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي
__________________
(١) زاد في تفسير القمي : وغشي عليهما.
(٢) في تفسيري القمي والصافي : مر.
(٣) طه : ٢٠ / ٢١.
(٤) في تفسيري القمي ، والصافي : عصا.
(٥) تفسير القمي ٢ : ١٢٠ ، تفسير الصافي ٤ : ٣٦.
(٦) تفسير روح البيان ٦ : ٢٧٥.